14 سبتمبر 2025

تسجيل

مصر تقهر المصريين

02 يونيو 2012

مصر تثور من جديد.. فالحكم الذي أعلن عنه المستشار أحمد رفعت بعد مقدمة أو (ديباجة) طويلة سبقت النطق بالحكم في (تبرئة) محمد حسني مبارك ونجليه وكافة رموز نظامه من تهم (الفساد) الذي استمر على مدار ثلاثين عاماً، واتهامه شخصياً مع وزير داخليته حبيب العدلي بالمؤبد بتهمة (قتل المتظاهرين) أثناء ثورة ميدان التحرير وتبرئة البقية، كان كل ذلك كفيلاً بأن نشهد إرهاصات قوية لثورة جديدة للشعب المصري الذي ظل ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، لاسيما أسر الضحايا التي أرادت الاقتصاص من مبارك ومعاونيه بالإعدام، لكن القاضي أحمد رفعت ومستشاريه ذهبت بهم الرأفة بالرئيس المخلوع ومعاونيه في الحكم المؤبد الذي سيقضي مبارك معظمه (مرفهاً) في مستشفى سجن الطرة، والذي يلقى فيه منذ انتقاله إليه معاملة جيدة وخدمة ممتازة، ناهيكم عن التكلفة الباهظة التي تتحملها حكومة مصر الحالية لقاء علاجه وزيارة أكبر الأطباء له على مدار الساعة، هو الشرارة القوية التي ستجعل مصر تدخل في تداعيات كبيرة من الحكم، الذي أعتبره شخصياً حكماً (فندقياً) بدرجة خمسة نجوم، نظراً للحالة الصحية لمبارك التي جعلت شفتيه تتدليان حتى ركبتيه أثناء الاستماع للحكم، بالإضافة إلى سنه التي تقارب الخامسة والثمانين، وهذا ما يحرم على الدستور المصري زج رجل مسن في سجن ضيق، ولذا ليس على حسني مبارك أو حبيب العدلي أن يهددا باللجوء إلى محكمة النقض، وبالأخص إلى طلب التماس النظر بالحكم القاضي بالمؤبد عليهما، باعتبار أن هذا الحكم كان سياسياً وليس حكماً قضائياً بالمعنى المعروف، وهو بمثابة إبرة تخدير للمصريين الذين ـ وعلى ما يبدو ـ غير راضين!! لاسيما وأن الأفاعي الصغيرة ستخرج من مخادعها، وهي جمال وعلاء مبارك ومعاونو العدلي، بالإضافة إلى رجل الأعمال الهارب حسين سالم بالبراءة الكاملة من أي تهمة لحقت بهم، بدعوى (تقادم تهم الفساد والكسب غير المشروع) وعدم إثبات أي تهمة في قتل المتظاهرين أثناء ثورة ميدان التحرير، التي استمرت أسابيع قليلة، رغم أنهم كانوا الأداة التنفيذية لكل هذه الجرائم، والمحرك الأساسي لها، ومع هذا فقد أثبت القضاء المصري عدم نزاهته في الحكم على كل مجرمي النظام المصري الذي يصعب علي وصفه بالسابق، لأنه ممتد حتى هذه اللحظة، مع اقتراب وصول أحمد شفيق أحد منتسبي نظام مبارك لسدة الحكم في الانتخابات الرئاسية، التي وضعت مصر على مفترق طريق مهم، مع صناعة تاريخ جديد لهذا البلد، الذي لقي في العقد الأخير تدهوراً في الوضع الاقتصادي والدور السياسي، الذي وضع مصر في كفة الشريك الهزيل في مباحثات السلام، وغيرها.. واليوم تسقط النزاهة المصرية في تحقيق العدل، بتبرئة المجرمين، لاسيما جمال وعلاء مبارك اللذان تلقيا ـ وأكاد أجزم بذلك ـ التحية العسكرية من الجنود الذين وقفوا على أبواب وسجن المحكمة، بعد صدور قرار أحمد رفعت بتبرئتهما من كل التهم المنسوبة إليهما، رغم كل الدلائل التي تثبت أن أبناء مبارك مع والدتهما المحرك الأول للفساد المالي الحكومي في مصر، كانت كفيلة بأن تزج بهما في السجن لسنوات طويلة، يخرجان منه مسنَّين، ولكنها العدالة المصرية التي غضت الطرف عن السرقات المالية المليارية، التي ستتمتع بها عائلة مبارك والعدلي وغيرهم.. ممن شملتهم البراءة التي تحق لهم، بعد أن كانوا مذنبِين أن يطالبوا بحق استرداد شرفهم وسمعتهم والقذف الذي لحق بهم، من الذين كانوا يطالبون برؤوسهم في وقت ما!.. للأسف إن ذلك بات ممكناً الآن، وصار طالبو الحق متهمين أمام القضاء المصري في حال قيام المبرَّئين حالياً، برفع قضايا تعويض واسترداد حقوقهم المادية والمعنوية جراء حبسهم واتهامهم بتهم، أثبت أحمد رفعت ومستشاروه أنهم براء منها براءة الذئب من دم يوسف!.. للأسف إننا في الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن تتوج الثورة المصرية بالقصاص العادل لمبارك ونجليه وأذناب حكمه، الذين نهبوا وسرقوا وقتلوا.. نجد إجهاضاً ظالماً وقاتلاً لنتائج الثورة التي ولدت مجلساً عسكرياً، تابعاً هو الآخر لنظام مبارك الذي يظل حاكماً وباقياً حتى الإعلان عن الرئيس الجديد لجمهورية مصر، والذي ـ ولربما ـ سيكون هو أيضاً ممتداً لشبح محمد حسني مبارك، في حال فوز أحمد شفيق بكرسي الرئاسة المنسوب أيضاً للنظام!.. فهل يعقل أن تموت الماشية ويتوج الراعي على أمانته وشجاعته؟!. فاصلة أخيرة: نظام مؤبد وحكم مؤبد.. عَمَار عَمَار.. يا مصر!!