14 سبتمبر 2025
تسجيللم أستغرب كثيراً عندما أعلنت قناة دبي (ذا ون) حصولها على كافة الحقوق الحصرية لحفل زفاف القرن - كما زعموا – وهو الزفاف الملكي للأمير وليام النجل الأكبر لولي عهد بريطانيا وعروسه كيت ميدلتون والذي صادف يوم الجمعة (29 أبريل 2011) والذي من المفترض أن ينشغل فيه المسلمون للاستعداد لصلاة الجمعة وما يسبقها وما يعقبها من ذكر وابتهال لله عز وجل، لتكون بذلك القناة التلفزيونية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تنقل هذا الحدث من العاصمة البريطانية لندن. ويا لحسن حظها عندما حظيت باستقطاب كافة شعوب الشرق الأوسط والعالم.. تهانينا.. أقصد للقناة.. لا للعروسين. لم أستغرب أن تنشغل هذه القناة وغيرها من قنوات العالم العربي في مثل هذه التفاهات التي تتلى علينا من الإعلام العالمي، في الوقت الذي كان ولا يزال فيه إخوتنا في ليبيا واليمن وسوريا يعانون أشد العذاب تحت بطش وجبروت الطغاة الذين عاثوا في الأرض قتلاً وسفكاً لدماء إخواننا من العرب والمسلمين هناك الذين انتصرنا لهم بأن جلسنا نتفرج على مراسم ذلك الزفاف، ففي الوقت الذي ينتظر فيه بعض المسلمين لحظة " القبلة الملكية " للأمير وعروسه، كان بعض إخوتنا هناك ينتظرون لحظة وقف إطلاق النار أو وقف وابل الرصاص فوق رؤوسهم أو وقف قذائف الطائرات والدبابات على بيوتهم، تماماً كما حدث من بعض القنوات الفضائية العربية عندما قصفت المجرمة إسرائيل إخواننا في غزة بكل ما أوتيت من قوة عندما قامت هذه القنوات بالتفضل مشكورة بذكر أخبار قصف غزة في نشراتها الرئيسة بل وتفضلت "مشكورة" بنشر بعض الصور للبيوت والمساكن المهدّمة دون نشر صور مجازر إسرائيل من قتل ونحوه خشية أن يقشعر بدن المشاهد العربي ذعراً عوضاً عن أن يهتز بدن ذات المشاهد العربي بالرقصات والأغاني الماجنة التي تعرضها له طوال اليوم، خشية أن يتعكر مزاج مشاهديها أو أن يلتفتوا إلى غيرها من القنوات، بالطبع لا نقصد هنا المثل العربي القائل: تموت الحرّة ولا تأكل بثدييها!!، ففي هذا المثل نوع من الحشمة والأدب، لأن بعض القنوات العربية كانت تأكل بجسمها كله!! نحن في زمن التناقضات اللا واقعية فبينما يعاني الناس أشكال المعاناة وأنواع العذاب نجد أن الإعلام يغيب في جزء من العالم العربي والإسلامي عن أحوال مجتمعه وواقع أمته العربية والإسلامية فيساهم بشكل متعمد في أن يعكس صورة الواقع وأن يُظهر خلاف ما تبطن الحياة اليومية من أحداث ووقائع، ولعل هذا كان واضحاً في صحف دول الثورات العربية الأخيرة كمصر وتونس وليبيا واليمن والآن سوريا عندما يمجّد الإعلام النظام بل ويقدّسه في حين أنه يطمس وجوه الحقيقة كلها التي تُظهر بشاعة أحوال الناس وفظاعة ما يعانونه من ظلم واضطهاد وقهر. وليس ببعيد عنا كذلك هذا التناقض في الإعلام ولكنه تختلف حدّته وتزداد درجته سوءاً في الدول القمعية مثل التي ذكرت آنفاً ولكن ذلك لا يعني أننا في دول الخليج العربي أو حتى قطر لا نعاني من ذلك التناقض الإعلامي الفريد العجيب الذي يكاد يغرد خارج سرب المجتمع وعكس هموم المواطنين ومعاناتهم، ففي حين يعاني المواطنون من معاناة كبرى في التعليم والصحة يغرد الإعلام للتهويل والتطبيل على وقع أنغام أخرى تمدح وتثني على الخدمات والمرافق ونحوه من الكلام المعهود، بينما الناس يعانون من عدم وجود تأمين صحي أو رعاية تميّزهم عن غيرهم على اعتبار أنهم "أهل الديرة" والأولى بالرعاية والاهتمام قبل غيرهم، وليس ذلك من باب التعالي على الآخرين - حاشا لله - وإنما هو نظامٌ يُعمل به في سائر دول العالم حيث تُعطى الأولوية للمواطنين في كل الخدمات. وقِس على ذلك مختلف نواحي الحياة عندما تجد المجتمع يعاني من مشكلات تزايد معدلات الطلاق إلى معدلات مخيفة وارتفاع نسبة المتأخرين أو العازفين عن الزواج، بالإضافة إلى انخفاض معدل تزايد السكان من القطريين وارتفاع نسبة المديونين والغارمين من القطريين، الأمر الذي لا نجده مقلقاً للإعلام المحلي بينما هو على أرض الواقع يكاد يودي بالمجتمع إلى براثن العنوسة وانتشار الرذيلة وانكماش دور الأسرة الممتدة والمتعددة، وانتشار البطالة والسرقة والفساد، كل ذلك لا يخيف ولا يؤدي إلى القلق، خاصة عندما يتغنى الإعلام مثلاً بمقولة " أعلى دخل في العالم " على الصفحة الأولى لجريدة ما، ويأتيك التناقض بعد عدة صفحات داخلية فتجد أن هناك صفحات لمد يد العون والمساعدات للمحتاجين من أفراد وأسر قطرية فضلاً عن إعلانات شبه يومية برفع دعاوى على مواطنين لحضور جلسات محاكمة هنا وهناك. إن أخشى ما أخشاه هو أن نصل إلى اليوم الذي يذكّرنا فيه إعلامنا بالمقولة المشهورة المنسوبة لماري انطوانيت عندما قيل لها بأن الفقراء لا يجدون خبزاً يأكلونه.. فقالت لهم: ولماذا لا يأكلون الكعك؟