18 أكتوبر 2025
تسجيلكثيرٌ ما نسمع هنا وهناك من نساء ورجال، مسنون ومراهقون، كلمة ملل، هذه الكلمة التي تختصر بحروفها الثلاث الإحساس بالضيق والتذمر من الوقت الضائع الذي لا سبيل لقضائه بما ينفع، والذي يروج من خلاله الشخص الملول لحالة الملل، ويصدرها نحو الآخرين.فالملل إحساس سلبي بإمتياز ينتاب الإنسان الذي يرتضي لنفسه أن يتسرب الوقت من بين أصابعه دون أن يفكر مجرد التفكير بأهمية الدقيقة التي تمرّ من عمره والتي لن تعود أبداً.والمعروف ان الشعور بالملل والضجر تزايد في العقود الأخيرة حيث إكتسحت التكنولوجيا حياتنا وسيطرت على كل تفاصيلها وحيث لم يعد للإنسان الكثير ليفعله، وأخذت الرغبة في الترفيه منحى مهم في حياتنا ولم يعد العمل وحده أو الواجبات اليومية الوسيلة الوحيدة لقضاء الوقت.وتعد أول قصة تتحدث عن الملل تلك القصة المكتوبة على ورقة بردي مصرية وترجع لأربعة آلاف سنة مضت، وتتحدث عن رجل ملّ من الحياة من حوله، فقرر أن يجلس دون عمل أو حركة وينتظر الموت، حتى ظهر له أحد الحكماء وحثه على الإستمرار في الحياة والتمتع بملذاتها والبحث عن سعادتها.وطالما حفل الأدب العربي والعالمي بقصص كان الملل والضجر موضوعها الرئيس، وفي كتاب (الضجر تاريخ حي) لبيتر توهي والذي تناول الموضوع من زوايا عدة صنف الملل الى نوعين البسيط، والذي يشعر به أي منا بسبب طول فترة إنتظار في عيادة طبيب مثلاً أو حضور محاضرة ثقيلة على النفس، والنوع الآخر المعقد والمزمن والذي يمس وجود الإنسان الفرد نفسه والذي أسماه الملل الوجودي وهو الذي تناولته الكثير من الأعمال الأدبية والفنية في روايات ولوحات كثيرة ربما لأنه الأكثر تأثيراً على النفس البشرية.ويذكر بيتر توهي إن الأديب الروسي العالمي أنطون تشيكوف يعد من أكثرالكتّاب ذكراً للضجر وفي روايته (العم فانيا) والتي كتبها في العام 1900، حيث تعبّر بطلة الرواية عن مللها بقولها (أنا أموت من الملل ولا أعرف ماذا أفعل ).وفي أعمال أخرى تناولت بعض الروايات الضجروالملل الوجودي وذلك مثل روايات (مدام بوفاري (للروائي الفرنسي غوستاف فلوبير، و) الغثيان (لجان بول سارتر، و( الغريب) لألبير كامو، و( كتاب اللاطمأنينة) لبيسوا، ورواية (اسطنبول) للكاتب التركي الكبير أورهان باموق، و( الالتماع) لستيفن كينج التي حولت لفيلم شهير من إخراج ستانلي كوبرك، الذي أثار قضية أن يتحول الملل إلى هلع وعنف..ورغم كل ما قيل وُكتب عن الملل، وبالرغم من إن الأيام أحياناً تكون متشابهة وتمر علينا بنفس التفاصيل الحياتية المعتادة، لكن المؤكد إن لكل يوم طعمه الخاص وتفاصيله التي تترك بصمة لا تمحى في مسيرة حياتنا.