23 سبتمبر 2025

تسجيل

غير ثقافتك يا أبي

02 مايو 2012

* نداء من تحت الثرى ينبعث إلى بقايا الأبوّة الحانية في صدور آباء ورثوا أبناءهم وعجّلوا من هلاكهم لا لأموال يطمعون فيها ولكن لثقافة تربويّة سلكوها، حصيلتها " قلوب محطّمة وأكباد مفتتة " من فقد أبناء، متعوا آباءهم بطفولتهم، وترغب في نموهم حتى إذا أستوى عودهم واكتمل شبابهم ذهبوا "مهشمي الأبدان " قد هشّمهم الحديد وبه هشموا وفتتوا أكباد أمهات وآباء. * مَن المسؤول؟ أنه ذلك الأب المكلوم مَن ظنّ خطأً أنه قد أدى مسؤوليته الأبويّة وتكاليفه الربانيّة برعايته لأهله وهو قد أهمل تربيتهم التربية الصحيحة التي تعلّمهم قيمتهم في الحياة ومسؤوليتهم بدءاً من أنفسهم وأسرهم، ثم وطنهم ومجتمعهم ثم أمتهم وعالمهم. * إنها ثقافة الأب التي جعلته يتحلّل من عناء تربية أبنائه تربية تنظّم حياتهم وترتقي بهم في آخرتهم بالصلاة في المساجد وصحبتهم إليه، إنها التربية التي لم يلتزم بها وإياهم بدروس علم وتعلّم لكتاب الله. * إنها الثقافة التربويّة التي لم يظفروا بها الأبناء بآباء يعلمونهم المجالس الصالحة العامرة بضخ العبر والحكم ودروس العلم ومجالسة الصالحين، إنها الثقافة التربويّة التي أغتر بها الوالد بتجارته وسفراته وإنها من أجل الأبناء وهو لا يدري أنها من أجل شغف لحب المال والنفس وتخلّي عن أولوياته برفقة أبنائه. * إنها ثقافة الوالد الذي يسمح لنفسه قضاء ساعات الليالي إما بصحبة الرفقاء أو خالداً للنوم والابن تتقاذفه الطرقات والصحبة الهاملة. * إنها الثقافة الأبويّة التي جعلت الأب يوكل كل الثقل التربوي للأبناء على والدتهم والتي قد تكون أحسنت لهم في فترة صغرهم، ثم إمكانياتها تعجز عن مواكبة قدراتهم في صباهم، التي تحتاج إلى رادع أبوي ومصاحبة والديه تحميهم من عنفوان شبابهم وانفلات قواهم وانفتاحهم على أقرانهم. * إنها ثقافة الإحلال والتعويض الفاشلة في التربية، التي يظن الوالد أنه بالماديات والسيارات والسفرات يمكن تعويض أبوته وإخلاله بمسؤليته أمام أهله وربّه. * غير ثقافتك أيها الوالد... في إعطاء طفلك جزءاً من وقتك ولا تعتذر بطلب الرزق؛ فالذي رزقك حيٌ دائم وسيرزقهم. * اضبط تصرفاتك وربِّ نفسك، إن لم يكن من أجلك كفرد واحد فمن أجلهم وهم قد يكونون مجموعة، يقول العالم حسان حتحوت " ضننا أن نربّي أبناءنا فإذا هم الذين يربوننا "، قاصداً أنه يخاف من الوقوع في الخطأ أمامهم. * نظّم حياتك فتنتظم حياتهم، أكرمهم بالمال وأحطهم بالرعاية التي تحميهم منه، ولا تكون المادة التي تتحطم حياتهم أو أخلاقهم بها. * علّمهم وطبق أمامهم أن الليل لباسٌ والنهار معاشٌ، وتأكّد من وجودهم وخلودهم للفراش قبلك. * كن قدوة يستقون منك حب والدتهم وبرها فكفى الأمهات ما يعانون من فلذات الأكباد — أعنتموهم أنتم على ذلك، بتخليكم عن دوركم وتوفير ما يعجّل من ذلك بشراء أداة هلاكهم، السيارات وشبيهاتها، غفلتم عن محاسبتهم وسلمتموهم إلى شبابهم الطائش. * أثقلتم كاهل الأمهات بحملهم أجنة ورعايتهم صغاراً، وهاأنتم تساهمون في حرقة أفئدتهن كبارا. * وأخيراً هذه الثقافة الأبويّة لا بد من مراجعتها، ومساهمة كل ذي لب فيها " فمَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً "، خسارة وأي خسارة أن تتحطّم القلوب "الوالدية" بفقدان شباب يموتون بالجملة الأب والقانون والطرق ثالوث تكالب على أعز ثرواتنا وأغلى مقتنياتنا "أبنائنا" فكلّ يوم يمرّ يسجّل فيه عدد منهم ليته في سبيل الله ولكنه يخشى أن يكون انتحاراً ساهم فيه الثالوث سالف الذكر وهو الذي يحمل يوم القيامة أوزاره، فاللهم حفظك ورعايتك وأجراً تضمّد به جراح كل قلب مكلوم.