15 سبتمبر 2025
تسجيلرغم كل الأحداث التي تمر بها مصر منذ ثورة 25 يناير، لم يكن المرء ليتخيل ولو لثوان معدودة أن تمر العلاقات المصرية – السعودية بمثل هذه الأزمة التي تسبب فيها مواطن لا نقول عليه " نكرة " ولكنه قد يكون ألعوبة في يد الآخرين، وهم الذين يحركونه يمنة ويسارا مثلما حركوا دولا من قبله. وأنا هنا أشير إلى إيران مباشرة في هذه الواقعة التي تألم لها كل عربي أصيل، وبالمناسبة فإن إيران استضافت مؤخرا مجموعة من الصحفيين والإعلاميين المصريين لتجمل صورتها أمام المصريين خاصة بعد الأزمة الخليجية – الإيرانية بعدما زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاة جزيرة أبو موسى الإماراتية بالمخالفة إلى الأعراف المرعية في هذا الصدد.. وحاول الإيرانيون الذين التقوا بالوفد الإعلامي المصري تصوير الموقف على أنه مجرد زيارة رئيس لمدينة إيرانية وليست مدينة إماراتية محتلة. أقول إيران وقلبي مطمئن تماما، فإيران خربت لبنان بدعمها حزب الله، ودمرت اقتصاد اليمن بدعمها العسكري والمادي والمعنوي للحوثيين الذين حاولوا أيضاً تخريب العلاقات بين اليمن والسعودية وتدمير مناطق الحدود والهجوم على منشآت سعودية. وقد جاء الدور على مصر الآن، لأن الإيرانيين يخططون للسيطرة على شعبها خاصة في مرحلة الاهتزاز التي يمرون بها، ومن هنا جاءت حملة تحريض خفية لبعض المصريين من أجل بث الفتنة والوقيعة بين مصر والسعودية، على اعتبار أن الدولتين تمثلان قوة عربية ترهب الإيرانيين وغيرهم، والقضاء على تلك العلاقات التاريخية ستمس بالتأكيد هذه القوة، بما يمثل لإيران منفذا مهما وضروريا للسيطرة على المصريين عبر الإيحاء لهم بأنها ستدعم اقتصادهم وستكون لهم عوضا عن السعودية والخليج. ولا يجب أن ننسى الدور الإيراني المحرض في العراق وكيف وقع العراقيون فريسة لمخططاتها وأمامنا أزمة الحكم هناك بين نوري المالكي رئيس الحكومة وبقية الفرقاء ومعهم الأكراد الذين باتوا يمقتون تصرفاته وتشبثه بالسلطة مدعوما بإيران. حتى سوريا صديقة إيران وحليفتها العربية الإستراتيجية لم تسلم من أطماع الفرس، فبات الشعب السوري فريسة سهلة للقيادة الإيرانية التي تحالفت مع الحكم ضد الشعب. وطبعا هذا الدور الإيراني الشيطاني ضد الشعب السوري يتناقض في مجمله مع مطلب السعودية بعدم السماح للنظام السوري بالمماطلة والتسويف في تطبيق القرارات الدولية لحقن الدماء ووقف المجازر اليومية بحق شعب أعزل كل همه هو أن يعيش في سلام وطمأنينة. وإذا كنا نتحدث عن سوريا، فلا يخفى على أحد الدور السعودي العظيم لإنهاء مأساة الشعب السوري وإنقاذه من براثن حرب يؤججها الجيش السوري بسلاحه وذخيرته وترسانته العسكرية الضخمة بما يوقع العشرات والمئات بصورة يومية: فالسعودية تحيطها الأزمات الإقليمية، فالقاعدة تنتشر في جبال أبين في اليمن، وكما أسلفنا فالحوثيون أيضاً يتحرشون بالأمن السعودي بغية إبعاده عن دوره الوطني وتوريطه في أزمات جانبية، ومنطقة الخليج التي على رأسها السعودية دخلت في معترك سياسي ودبلوماسي مع إيران بعد تصاعد أزمة الجزر الإماراتية المحتلة، وكذلك محاولات إيران التي لا تنتهي بإثارة النعرات الطائفية في عدد من دول الخليج. لقد أعجبني تعليق أحد الشباب السعودي على الأزمة العابرة بين مصر والسعودية بقوله إن السعوديين والمصريين شعب واحد يعيش في قطرين، وستستمر العلاقات المتميزة بمتانتها المعهودة عبر الزمان، ولن يوقفها حقد الحاقدين. إن العلاقات السعودية - المصرية علاقات وطيدة وتاريخية قوية لا يمكن أن تتأثر بأي شائبة أو قضية من القضايا، ونحسب لقادة البلدين العزيزين على القلب الإسراع لوأد المناخات التأجيجية المحرضة على إثارة الأزمات بين بلدين تربطهما علاقات تربط بين شعبين قبل البدلين، وأن ما يجري في الوقت الحاضر من شحن لا يمثل الواقع الحقيقي للمحبة السائدة بين شعبي المملكة ومصر. وإذا كنا أسرفنا في الحديث السياسي، فلدينا تعليق مهم للعالم السعودي الشيخ عائض القرني عندما أكد أن ما بين السعودية أرض الحرمين ومهبط الوحي وبين مصر أم الأبطال لا يتأثر بموقف عابر. وإذا كانت الأزمة سياسية أو هكذا تبدو على السطح، فكان من المهم إلى حكمة داعية بحجم الشيخ عائض القرني خاصة عندما يدعو كلا الطرفين إلى التخلي عن التعصب والاختلاف في الرؤى الذي يؤدي إلى الفرقة التي لا يريدها الشعبان. وعلينا أن نحتكم إلى العقل كما قال في رسالته التي وجهها إلى المصريين: "أبعث برسالة من أرض الحرمين ومهبط الوحي إلى مصر أم العظماء والمبدعين والعباقرة والأبطال.. سلام عليكم عدد القطر وتحية عدد الرمل لكل مصري ومصرية، أيها السعوديون والمصريون لا للفرقة أو التعصب أو الاختلاف، فالذي بيننا أكبر وأعظم من أن يتأثر بموقف عابر". وأعتقد أن مملكة البحرين ليست بعيدة عما يجري في عموم منطقتنا، ولعل كلمات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء تفسر ما تمر به المملكة من مخاطر، فعندما يتهم سموه في مقابلة صحفية حصرية لمجلة دير شبيجل الألمانية أطراف المعارضة بالسعي لتحويل البحرين إلى إيران ثانية، فهو هنا يقول الصدق وينقل ما نشعر به نحن أبناء هذا الوطن. لأن ما يسميه الغرب حراكا سياسيا تقوم به المعارضة ما هو سوى "حراك إرهابي " مدعوم من إيران وحزب الله، وأن ما تتعرض له البحرين هو يماثل تماما ما تواجهه أمريكا مع الإرهابيين، وذلك حسب أقوال سمو الشيخ خليفة. فمن يدعو للعنف والدمار من حرق إطارات السيارات وإلقاء الزجاجات الحارقة على رجال الأمن من أجل ترويع البلد، هو إرهابي بالتأكيد.. ومن يرفض الدعوة للحوار إلا بعد استشارة منظريهم من آيات الله في " قم"، فهو إرهابي.. وحسنا فعل سمو الأمير خليفة عندما توجه بنفسه بسؤال إلى محاوره الصحفي الألماني قائلا: " ماذا سيكون رأي الولايات المتحدة الأمريكية لو طلبت منها الدخول في حوار مع المنظمات الإرهابية كالقاعدة مثلا؟!".. بالقطع، سترفض واشنطن الدخول في مثل هذا الحوار العبثي، ولكننا تجاوزنا تلك العبثية ووافقت الحكومة على إجراء الحوار الذي يرفضه الآخرون أيضاً في البحرين من أجل فرض رؤيتهم ولتغيير مسار المملكة من مجتمع متعدد الثقافات والأعراق إلى مجتمع انغلاقي ظلامي يدين بالولاء فقط إلى إيران التي تشعل النار ووقود الفتنة في كل البلاد العربية تقريبا. فسمو الأمير خليفة تمسك بوضع القرائن أمام محاوره، ليؤكد له زيف ما تدعيه المعارضة من انتهاك حقوق الإنسان في البحرين والتعامل بعنف ضد المحتجين.. وبالتالي عاد سموه إلى أسلوب التساؤل ليرد على محاوره سؤالا بسؤال: " كيف يمكن للشرطة الغربية التعامل مع احتجاجات عنيفة غير شرعية؟! هل يتركون المحتجين لرمي الحجارة وقنابل المولوتوف؟! هل فكر الأمريكيون وحلفاؤهم بحقوق الإنسان عندما خرج المتظاهرون في العراق وأفغانستان؟!". وكما فعلت قلة من المصريين لتخريب العلاقات بين بلادهم والسعودية، لم تتوان قلة هنا بالقيام بنفس المحاولة ولتحقيق نفس الهدف وهو بث الفتنة والوقيعة بين الشعبين.