15 سبتمبر 2025

تسجيل

لحظة اقتناص المصالحة

02 مايو 2011

بعد غد الأربعاء ستكون القاهرة على موعد مع التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية التي ستنهي أكثر من أربع سنوات من الانقسام والخصومة بين أهم فصيلين وطنيين في فلسطين وهما حركة فتح وحركة حماس وهي لاشك لحظة تاريخية ستعيد الاعتبار للفعل الفلسطيني المؤثر والقادر على استعادة الحقوق المغتصبة كاد اليأس أن يصيب الجميع بعد هذا التنائي بين فتح وحماس والذي صحبه استقطاب وطني وإقليمي وأوشكنا على أن نقذف بالمصالحة بعيدا من فرط ما كنا نشاهده من تناقضات وتباينات وصلت في بعض المراحل إلى حد الاقتتال وحملات الاعتقالات المتبادلة لكوادر من الحركتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومع تفاقم الخلافات كانت القضية الفلسطينية تنحدر باتجاه التلاشي فالعدو الصهيوني يستغلها ليفرض شروطه على السلطة الوطنية التي بدت في بعض الأحيان وكأنها استسلمت لهذه الشروط في ظل غياب أوراق القوة التي تمتلكها وفي المقدمة منها الموقف الفلسطيني الموحد بينما تواجه حركة حماس ضغوطا من العدو بلغت أوجها في نهاية 2008 وبدايات 2009 عندما شن على قطاع غزة حربه التي أطلق عليها عملية الرصاص المصبوب فهدم البيوت والمرافق وقتل الشباب والأطفال والنساء والرجال وضاعف من حصاره الظالم على شعبها الذي ما زال مستمرا ولم تكن تداعيات هذا الخلاف بعيدة عن المشهد العربي فقد طالت أطرافا فيه وهو ما أثر سلبا على قوة الموقف العربي وبدا أن هناك فريقين أحدهما يطلق عليه محور الاعتدال والآخر محور الممانعة مما ألقى بظلال من الشك المتبادل بين أطراف كل محور وفجأة أطلت علينا شمس المصالحة الفلسطينية يوم الأربعاء الماضي بعد ليل طويل جثم على النفوس وفرض عتمته الكئيبة على الشارع العربي بعد أن ظننا أن ملفاتها أغلقت بالضبة والمفتاح وفق التعبير الدارج ولاشك أن انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير هي التي أزالت الغيوم والسحب التي كانت تهيمن على الأفق صحيح أن نظام مبارك كان يلعب دورا باتجاه المصالحة الفلسطينية لكنه بدا في كثير من الأحيان انحيازه الواضح لفريق ضد فريق بل إن وسائط إعلامه كانت تصب حممها على حركة حماس إلى الحد الذي وصفه أحد أبواق هذا النظام بأنها أخطر على مصر من الكيان الصهيوني وكان وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط يوجه رسائل تحذير لحماس بحسبانها قوة عظمى ويهدد بقطع أرجلها من جراء بعض تصرفات غير مقبولة كان يقوم بها بعض كوادرها على الحدود مع مصر بينما لم يكن يستخدم هذه اللهجة العنيفة أو لغة التهديد الحاد ضد إسرائيل عندما كانت تقتل جنودا مصريين على الحدود نفسها أو عندما كانت تقوم بشن غارات على الجانب المصري من رفح تحت حجة تدمير الأنفاق التي تربط غزة مع مصر على أية حال فإن الجهد المصري خلال نظام مبارك لم تكن نيته خالصة تماما لإنجاز المصالحة وبدا متصلبا تجاه ملاحظات قدمتها حركة حماس ورفض تغيير نصوص في الورقة التي قدمها في هذا الصدد كان يمكن أن توفر بيئة مواتية للتوصل إلى الاتفاق النهائي وبدلا من ذلك وجهت دوائر فيه اتهامات لقوى إقليمية بأنها تعطل تنفيذ الورقة المصرية والآن تهيأت كل السبل بعدما فتحت القاهرة أبوابها بإخلاص وجدية متخلصة من موروثات النظام السابق وتحفظاته وهواجسه وأوهامه وجمعت قيادات حماس وفتح في لقاء تم التوقيع فيه بالأحرف الأولى على اتفاق المصالحة بعد أن تم التعامل بإيجابية مع تحفظات حماس وملاحظات فتح دون تعسف مع التأكيد وقوف النظام الجديد في مصر بمسافة واحدة من جميع الأطراف الفلسطينية وهو ما كان مفتقدا في السنوات الأخيرة والآن بات من الجميع أن يلتقط هذه اللحظة التاريخية التي ستلتئم بعد غد الأربعاء في القاهرة متمثلة في التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وغيرهما من قيادات الفصائل الفلسطينية وذلك يتطلب جملة من الخطوات أولا: أن يتمسك جميع الفرقاء بالصدق والالتزام بحرفية ما يتم التوافق عليه بعيدا عن أجندات لها ارتباطات بقوى إقليمية أو اعتبارات خارجية بحيث لا يكون في الأفق سوى الأجندة الوطنية والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني التي تتطلب استعادة الوحدة والالتئام لمواجهة الاستحقاقات القادمة خاصة في ظل ما بات يتربص به العدو الصهيوني للمصالحة والتي أعلن حتى قبل أن تبدأ رفضه مخيرا أبو مازن بين السلام مع الكيان أو السلام مع حماس وهو ما رفضه الرئيس عباس على الفور في موقف وطني يحسب له معلنا انحيازه لوحدة الوطن ومخيرا نتنياهو بين السلام والاستيطان ووصل الأمر بالأخير إلى وقف تسليم سلطة أبو مازن استحقاقاتها من الضرائب ثانيا: الشعب الفلسطيني مطالب بكل أطيافه واتجاهاته بالدفاع عن المصالحة خاصة أنه هو الذي تظاهر بقوة مطالبا بإنهاء الانقسام في موجة الثورات العربية وبالتالي فإنه من الضروري أن يشكل هيئات شعبية تتولى مراقبة تطبيق الاتفاق ومواجهة أي طرف يحاول عرقلة تطبيقه ثالثا: مسارعة الأطراف العربية إلى تقديم الدعم العاجل للحكومة الفلسطينية بما يجعلها قادرة على القيام بمسؤولياتها بالكفاءة المطلوبة فضلا عن امتلاك القدرة على مواجهة أي تهديدات من طرف العدو الصهيوني للتأثير ماليا عليها إلى جانب قيامها بحملة دبلوماسية نشطة لتسويق اتفاق المصالحة وأنه يصب إيجابيا في خانة تحقيق السلام المنشود في المنطقة خاصة لدى الأمم المتحدة واللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط رابعا: أن كلا من حركتي فتح وحماس مطالبتان بالدرجة الأولى بتجاوز الاستغراق في التفاصيل التي من شأنها أن تقود إلى توسيع قاعدة الخلافات التي تفضي إلى الجمود مثلما حدث في مراحل سابقة وذلك بدوره يستدعي تكليف العناصر ذات الحس الوطني بالإشراف على تطبيق الاتفاق خامسا: أن يلتزم جميع الفرقاء الفلسطينيين بكل بنود الاتفاق خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات التي ستجرى بعد عام من تشكيل حكومة التوافق الوطني وهو ما يؤكد رسوخ الخيار الديمقراطي في المشهد الفلسطيني مما يمثل قيمة مضافة للشعب الفلسطيني في عالم يحترم من يتبنى الخيارات الديمقراطية ويشكل في الوقت نفسه ردا عمليا على العدو الصهيوني الذي يقدم نفسه باعتباره صاحب التجربة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة السطر الأخير: في عينيك حنو يحتويني هو قلبك أم تكويني ممتشقا سيف عشقك معطرا برائحة الحنطة فيك تمنحني وجودي وسكوني [email protected]