16 سبتمبر 2025

تسجيل

بشائر السلام بين واشنطن وطهران

02 أبريل 2021

لن يستثمر أعداء إيران عنصر المفاجأة أو الضربة البرقية السريعة كما وقع مع العراق بايدن أجهض مخططا مخيفا لا يبشر بخير حقائق جغرافية وتاريخية تعتمدها قطر في دبلوماسيتها ومواقفها من خلال تصريح موجز ولكنه شديد التعبير أدلى به سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية قطر، قبل مدة أجاب به على سؤال صحفي من مراسل وكالة أنباء غربية حول ما إذا تقبل قطر عرض وساطة سلام وخير بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية، فكان الجواب رغم اختصاره منيرا لحقائق محورية ومذكرا بالعلاقات المتميزة المتوازنة التي تتمتع بها دولة قطر مع كل من واشنطن وطهران؛ لأن الأولى حليفة إستراتيجية في الحرب على الارهاب واحلال الأمن والسلام في العالم باعتراف الادارة الأمريكية والثانية جارة مسلمة منذ الأزل الى الأبد تفرضها الجغرافيا كما يفرضها التاريخ. أشار سعادته إلى أن هذه الحقائق الجغرافية والتاريخية هي التي تعتمدها قطر في دبلوماسيتها ومواقفها. وفي نفس اليوم صرحت الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض (جين كاسي) ومعها في نفس الساعة (نيد برايس) المتحدث باسم الخارجية بأن غاية الرئيس بايدن هي التمسك بحل الملف بالطرق الدبلوماسية ثم من جهة أخرى يعتقد خبراء العلاقات الدولية أن فوز الرئيس جو بايدن بالبيت الأبيض أطفأ فتيلا خطيرا كان مشتعلا بين أمريكا وإيران أي في الحقيقة أجهض بايدن مخططا مخيفا لا يبشر بخير غايته شبيهة بغاية (بوش الابن) حين ورط دولته في غزو العراق وتدمير جيشه ومجتمعه المدني بحجج واهية ثبت بعد سنوات أنها كاذبة، لأن العراق لم تكن لديه أسلحة للدمار الشامل ولا علاقة لحزب البعث العراقي بالقاعدة، ولكن غفلة صدام حسين عن الحقائق وغزوه الغبي للكويت قدماه ضحية سائغة للمخططات الاسرائيلية وخريطة طريق المحافظين الجدد حتى وقع ما دونه الجنرال (شوارسكوف) في مذكراته المنشورة أخيرا أي وقع في فخ نصب له بغاية «اعادة العراق إلى ما قبل التاريخ! نعم هكذا حرفيا» وهذا التحليل الموضوعي لأمل السلام بين الغرب وإيران نقرأه في المجلة الأسبوعية الأمريكية (اكزيكيتيف أنتليجنس ريفيو) وهي المجلة الأشهر في العلاقات الدولية حسب (نورمان بايلاي) عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي الأسبق وهي المجلة التي أتشرف بأنها تنشر بعض مقالاتي مترجمة عن صحيفة الشرق القطرية. يقول رئيس تحريرها إن الرئيس بايدن يتجه اليوم الى تجنيب منطقة الشرق الأوسط كارثة حرب غير مأمونة العواقب ولن تلتزم حدود الإقليم الخليجي أو الشرق أوسطي، ورأينا خلال الأسبوع الماضي تغييرا مهما في المشهد الايراني، حيث قدمت طهران للولايات المتحدة والدول الموقعة معها على الاتفاق الأصلي حول النووي الايراني (2015) مقترحا بالتخفيض في نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20% مقابل ايقاف العقوبات المسلطة على ايران وعودة واشنطن إلى المعاهدة ثم شهدنا توقيع «معاهدة القرن للشراكة الاستراتيجية» بين وزيري خارجية الصين وايران (حسب تعريف البيان المشترك) وهي في جوهرها معاهدة في 87 صفحة تدوم ربع قرن وتحتوي على بنود معلنة وأخرى غير معلنة وهو ما يدعو جميع أطراف الملف النووي الايراني الى اعادة النظر في مواقفهم وترجيح كفة الأمن والسلام بالطرق الدبلوماسية لا بالتهديد الاسرائيلي بقصف المفاعلات الايرانية كما وقع في العراق حين قصفت اسرائيل المفاعل النووي العراقي تموز (7 يونيو 1981)، لأن طهران استفادت من غفلة العراق وتهيأت لكل الاحتمالات حتى الأكثر خطرا ولن يستثمر أعداء ايران عنصر المفاجأة أو الضربة البرقية السريعة، ثم نعود إلى سؤال الصحفي الغربي الذي طرحه على سعادة وزير خارجية قطر حول امكانية وساطة قطرية في هذا الملف، لأن السؤال ينطلق كما فهمنا من قراءة لأصول الدبلوماسية القطرية القائمة على خدمة السلام الاقليمي والدولي كما وقع في الملفات الأفغانية والسودانية واللبنانية والفلسطينية وهذا ليس رأيي الشخصي كراصد للسياسة القطرية والعربية عموما منذ ثلث قرن بل يتقاسمه معي بعض الزملاء من فرنسا والولايات المتحدة من خيرة خبراء العلاقات الدولية، لأني أدركت من خلال استشارتهم بأنهم بحكم اطلاعهم على كواليس السياسات الخارجية اقتنعوا بما تتمتع به دولة قطر من دبلوماسية حكيمة وواقعية وذات مبادئ خولت لها درجات عليا من التوفيق في الملفات الاقليمية والقومية والعالمية التي توسطت فيها الدوحة بطلب من فرقاء مختلفين، والجميع يعرف لقاء الدوحة بين فرقاء وطوائف لبنان في 21 مايو2008 (وكنت حاضرا فيها كمراقب) حين اتفق الأشقاء اللبنانيون على خريطة طريق وفاقية وخاصة أيضا على تلافي الفراغ الدستوري والرئاسي بانتخاب الرئيس ميشال سليمان وانطلقوا جميعا من بيان الدوحة لاستكمال عمل عظيم وهو إعادة اعمار جنوب لبنان بعد حرب إسرائيلية استهدفته، وانتصر فيها اللبنانيون باجلاء جيش (تساحال) وعملائه اللبنانيين واحباط مشاريع استيطان صهيوني في جنوب لبنان تمثلا باحتلال أرض فلسطين! واللبنانيون يعرفون جهود دولة قطر دبلوماسيا وماليا في اعادة إعمار جنوبهم وتأهيله، ليكون قلعة الصمود ورباط المقاومة حسب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تدين كلها العدوان الاسرائيلي والتوسع الصهيوني المتطرف في أرجاء الوطن العربي شرقا وعربا ويمينا وشمالا. [email protected]