29 أكتوبر 2025

تسجيل

كنت شاهداً على اجتثاث قطر لفكر الإرهاب

02 أبريل 2018

أتاح لي الله سبحانه أن أعيش عشرية التسعينيات في هذا البلد الأمين قطر حين كنت مطلوبا في إنتربول مع صديقي رحمة الله عليه محمد مزالي رئيس الحكومة التونسية واستجرت بصاحب الهمة والمروءة والسمو الشيخ حمد بن خليفة بيض الله وجهه فأجارني وعشت مع عيالي أمنا ومساهما بقدر إمكاني في المجتمع المدني الناشئ وثقافته وإعلامه فواكبت تأسيس قناة الجزيرة ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وأذكر أن أول مقال نشره لي الصديق الفاضل ناصر محمد العثمان في صحيفة الشرق الغراء سنة 1991 كان بعنوان (رب اجعل هذا البلد أمنا) ومنذ أن تقلد صاحب السمو الشيخ حمد مقاليد السلطة شرع في اجتثاث الفكر المنحرف الذي يولد من رحمه العنف إنطلاقا من التعليم حين كان سموه الرئيس الأعلى لجامعة قطر، فبادر بتغيير عميق لبرامج التربية والتعليم ومادة الثقافة الإسلامية التي كانت مقررا إجباريا لكل الطلاب وكنت أنا أحد المكلفين بتدريسها ضمن كلية الشريعة والقانون بشكل مؤقت، فتم تحت إشراف سموه تطوير وتحديث مناهج التعليم الاسلامي إلى ما يرقى بالفكر المسلم من طور التلقين الى طور التفكير فتم بمجهود أساتذة كرام تعليم قيم التسامح وقبول الرأي المختلف ومبادئ الوسطية والاعتدال عوض زرع التعصب والكراهية، ثم قام سموه حفظه الله بإنشاء أول مركز عالمي لحوار الأديان وهو مركز الدوحة الذي نظم عشرات المؤتمرات في قطر وفي عواصم عالمية بغاية نشر قيم الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة والتنسيق بين رسالاتها الإنسانية وشارك في جلها علماء مسلمون وكبار رجال الكنيسة وأحبار يهود يتميزون بالاعتدال وشارك فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في جلها بأريحية العالم المستنير وهو الوحيد من بين العلماء الذي بادر بالسفر الى كابول وقابل مسؤولي طالبان ليثنيهم عن تدمير تمثال بوذا في باميان ثم يتهمه المغفلون المحاصرون بالارهاب! كان هذا المركز العالمي لحوار الأديان منصة انطلاق مجلة علمية بعنوان (أديان) وندوات علمية متنوعة لتأكيد الوحدة العميقة الرابطة بين علماء الحضارات المختلفة وتحفيز أهل الاستنارة والتسامح والتقارب على العمل المشترك للتصدي لكل أشكال العنف والتطرف وهو ما يحسب لدولة قطر على الصعيد العالمي. وأذكر انني في أحد مؤتمرات قطر التقيت بالمسؤول والدبلوماسي الأمريكي (مارتين أنديك) بحضور السفير القطري المتميز محمد جهام الكواري، وقال لي المسؤول الأمريكي حرفيا إن مبادرات قطر من أجل تحالف الحضارات وحوار الأديان تعتبر العمل الريادي الذي يجتث العنف من جذوره وهو العمل القطري الفكري الجبار الذي أسندته صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، بتأسيس مؤسسة قطر الرائدة التي تدخل بقطر وبالخليج الى القرن الحادي والعشرين بقوة وثبات وبمقاومة حقيقية وطويلة الأمد لكل أشكال العنف. ثم وبالتوازي مع هذه الجهود العقلية تم إنشاء قناة الجزيرة فأحدثت رجة مباركة في فضاء عربي إسلامي طال جموده وتصلبت شرايينه وتمكن منه الاستبداد بتكميم الأفواه وطمس الحقائق وبالطبع تعرضت قطر الى حملات التشويه والتشكيك من قبل أهل الجمود والجحود أعداء شعوبهم،  لأنها أتاحت بأداة الجزيرة الرائدة ظهور رأي مختلف أصبح يعرف بالرأي والرأي الآخر وهو ما أدته قناة الجزيرة بأمانة وجرأة حين ألقت بحجر الحرية الفكرية في البركة العربية التي تحولت الى مستنقع مياه أسنة! فالحرية الإعلامية هي الدعامة الحقيقية للسلام والأمن أي هي الدرع الواقي من العنف الذي عادة ما ينتج عن كبت الحريات وهضم الحقوق وبهذا الاسهام الحضاري أكدت قطر انحيازها لخيار الحقوق والحريات بينما اختار البعض نهج القمع المولد للإرهاب! هذه هي سياسات قطر التي واصلها ودعمها وعززها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد والنخبة التي اختارها لفريقه الحكومي من الدبلوماسيين المتميزين الذين شهد لهم العالم بالتألق والدفاع عن سيادة دولتهم واستقلال قراراتها إلى جانب خيرة الإعلاميين القطريين الذين ترفعوا عن سفاسف الجدل العقيم وتعففوا عن الخوض مع الاعلام المضلل واعرضوا عن الجاهلين. هذه حصيلة مكافحة الإرهاب والتصدي لأسبابه العميقة وهي السياسة التي تجتث العنف من جذوره والتي سنها أمير الدولة منذ سنة 1996 كما أكده لي مستشار ألمانيا الأسبق (جيرهارد شرويدر) سنة 2008 في لقاء بالدوحة وكنت شاهدا أمينا أساهم بما كتبه الله لي من جهد في مختلف مجالاته وأسجله كمؤرخ للحظة تاريخية فارقة رفعت راية قطر عالية.