15 سبتمبر 2025

تسجيل

اللوم يحطم كبرياء النفس

02 أبريل 2015

لقد خُلق الإنسان من طين وتم له التكريم من رب العالمين وميزه عن سائر المخلوقات، لذلك فإنه يحتاج إلى سنين طويلة من الرعاية لكي يكون عنصرا فعالا مهيَّئا للمشاركة في الحياة البشرية، وهذا الهدف لا يأتي بالجهد المفرد اليسير، بل يقتضى تضافر القوى وتبادل المشاعر الصادقة والاستعداد للبذل والعطاء والتضحية الصبورة التي لا تنتظر العوض والجزاء في الدنيا، لذا فالخطأ سلوك بشري لا بد أن نقع فيه، حكماء كنا أو جهلاء، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فليس من المعقول أن يكون الخطأ صغيرا فنكبره ونضخمه ولا بد من معالجة الخطأ بحكمة وروية، وأيا كان الأمر فإننا نحتاج بين وقت وآخر إلى مراجعة أساليبنا في معالجة الأخطاء، فشخصية المسلم ترتكز على الإيمان بالقضاء والقدر والبر والتقوى، وعلى مسؤولية الاختيار والصدق والتسامح والتعاون والقناعة، فمجتمعنا الإسلامي أسس على مبادئ سليمة ورفعت أركانه على زرع القيم والأخلاق، فحض على التخلق بها في مجال التعامل الاجتماعي، وكثير من هذه الخصال تشجع على إنماء الشخصية واكتمالها بقصد السعادة النفسية الشاملة التي تحقق للمسلم حياة آمنة مطمئنة ونجاة من الشدائد يوم القيامة. فأصول الشخصية في البيئة الإسلامية لا تزال تقوم على القيم الحضارية المنبثقة من تعاليم الإسلام؛ لأن هذه القيم تبقى من العناصر الرئيسية الواقية من الأخطاء والمخففة لوطأتها عند حدوثها، فالإنسان التقي إذا مسه طائف من الشيطان تذكر واستغفر، ومن يغفر الذنوب إلا الله، والكريم سبحانه وتعالى يعفو عن المخطئ، فلربما أنه يكون قد فعل ذلك بغير قصد، فيرفع الله عن العبد المخطئ الحرج والإثم، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه) رواه ابن ماجة، فلقد كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها وتحاسب على جميع أفعالها، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعة لهم أو سببا في التجاوز عنهم، في حين أن هذه الأغلال قد رفعت عن هذه الأمة استجابةً لدعائهم ورحمةً من الله بهم، كما جاء ذلك في قول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة: 286، فالتربية بمعناها الواسع تشمل صفة من صفات التربية الدينية، لاسيما في بلادنا العربية والإسلامية، وهي منبثقة من الأبوين أو من المدرسة، وذلك لأن تربية الشخص تتضمن تقويمه في حدود إطار أخلاقي للسلوك، وإن القيم الروحية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الإسلام كثيرا ما تهدي الفرد إلى الاستقامة والسلوك السوي، فمن يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان وفي كل الأحوال يبقى سلوك الإنسان مرتبطا بمكارم أخلاقه، والتي تنظم سلوك الإنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو أخطأ أو انحرف.لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد قلوب المسلمين فيغرس فيها غرسات الوفاء التي تحقق التكامل والترابط بين أفراد المجتمع، وإن الدين الإسلامي كثيرا ما يكون وسيلة لتحقيق الإيمان والسلام النفسي، وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام، فعندما نرى الخطأ ونتعامل مع من ارتكب الخطأ لا بد أن ندرك أن كل ابن آدم خطاء، فيلزم علينا النظرة إليه بعين النصيحة التي تقوم على أسس دينية سليمة، فمعالجة الأخطاء لا بد أن تكون بحكمة وروية حتى لا يكون لها مردود سلبي، فالمخطئ ليس مجرما وإنما هو بشر يحتاج إلى تصويب الخطأ وعدم تكراره، وهذا يتطلب منا أساليب وقواعد خاصة، منها ألا نزيد في إلقاء اللوم على المخطئ وتعنيفه؛ لأن هذا لا يأتي بخير غالبا، وقد وضح لنا الهدي النبوي فيما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه خدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات ما لامه على شيء قط، فاللوم مثل السهم القاتل، ما إن ينطلق حتى ترده الريح على صاحبه فيؤذيه، وتذكر يا من أردت أن تقوِّم الخطأ وتصلحه أن اللوم يحطم كبرياء النفس، ويكفيك أنه ليس في الدنيا أحد يحب اللوم، فالمخطئ أحيانا لا يشعر أنه مخطئ، فكيف نوجه له لوما مباشرا وعتابا قاسيا، وهو يرى أنه مصيب، وتذكر أنك بالجدال قد تخسر؛ لأن المخطئ قد يربط الخطأ بكرامته فيدافع عن الخطأ بواقع الكرامة فيجد في الجدال متسعا ويصعب عليه الرجوع عن الخطأ، فلا نغلق عليه الأبواب ولنجعلها مفتوحة ليسهل عليه الرجوع حتى يكون هذا هو السبيل لتصحيح أخطائنا فنعمل على رفعة الأمة وتقدمها.