16 سبتمبر 2025
تسجيلمن خلال حركة المرور في شوارع أية مدينة من مدن العالم نستطيع التعرف على إيقاع الحياة ونستطيع أن نحدد مدى التقدم أو التخلف، كما يمكننا أن نتبين الفوضى من النظام ، لأن حركة المرور أشبه بمرآة كبيرة، تنعكس عليها ملامح الصور وكل التفاصيل والجزئيات، وهي مرآة محايدة ، يبدو المليح فيها مليحا وكذلك حال القبيح، إذ أن هذه المرآة لا تحاول بالطبع أن تخفي القبيح وليست لديها القدرة على تقبيح المليح أو إعطائه حجما يزيد على حجمه الحقيقي، فكل الأشياء تبدو في حجمها دون زيادة أو نقصان .أشعر بالحزن وبالإحباط والخجل كلما أعدت قراءة كتاب صغير لا يزيد عدد صفحاته على 140 صفحة، وهو بعنوان – العرب: وجهة نظر يابانية – أما مؤلفه فهو باحث ياباني جاد، ولد أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم درس اللغة العربية دراسة عميقة وقام بترجمة العديد من الروايات العربية إلى اللغة اليابانية، وممن ترجم رواياتهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس وحنا مينة وغسان كنفاني ومحمد شكري، وقام – نوبو أكي نوتو هارا- وهذه هو اسمه بزيارات مطولة إلى عواصم ومدن وقرى عربية، ولم تكن زياراته بقصد السياحة أو اللهو، وإنما كان هدفها التعرف على إيقاع الحياة في مجتمعاتنا العربية .يذكر الباحث الياباني أنه وجد الناس في إحدى العواصم العربية يتبادلون نظرات عدائية كأن كل إنسان منهم عدو أو خصم لسواه، وفي عاصمة عربية أخرى شاهد بعينيه ركاب الباصات وهم يتسلون بتمزيق الكراسي التي يجلسون عليها كأنها ليست ممتلكات عامة لهم جميعا، وحين قام بزيارات لبعض أصدقائه العرب في الشقق الفخمة التي يسكنون فيها وجد النظافة واضحة داخل تلك الشقق كما رأى القاذورات والأوساخ أمام الأبواب وأمام المصاعد الكهربائية دون أن يهتم أحد بإزالتها على الأقل حتى لا تزكم أنفه الروائح الكريهة!ويلاحظ الباحث الياباني ملاحظة جديرة بالتأمل، حيث يقول بالنص: إن الناس في الوطن العربي يخبئون الحقائق التي يعرفونها حق المعرفة، فعلى سبيل المثال زرت شخصيا منطقة تدمر خمس مرات وزرت متحفها ولكنني لم أعرف أن فيها سجنا مشهورا اسمه سجن تدمر، وبالطبع فإني حتى الآن لا أعرف موقع ذلك السجن، لأن الخوف يمنع المواطن العادي من كشف حقائق حياته الملموسة، وهكذا تضيع الحقيقة وتذهب إلى المقابر مع أصحابها!قد يقول بعض منا إن هذا الباحث الياباني إنسان لا يحب العرب، لأنه لا يتحدث ولا يشير إلا إلى نقائصنا وعيوبنا، وهؤلاء لا يريدون أن يتحدثوا عما تراه عيونهم هم ولا يحبون كذلك أن يذكرهم أحد بنقائصهم وعيوبهم، خصوصا إذا كان أجنبيا غريبا عنهم، وهكذا يتحول كل فرد من هؤلاء إلى نعامة تخفي رأسها في الرمال حتى لا يراها الصياد، بينما يبدو جسمها كله أمام عينيه وفي مرمى سهامه أو بندقيته! ويظل هناك من يتألمون ويتحسرون وهم يرون ما يجري أمام عيونهم، لكن هؤلاء المتألمين المتحسرين ليسوا كثيرين ولا أحد يستمع لما يقولون برغم كل ما فيه من إخلاص وصدق، أما الكثيرون منا فإنهم يتفرجون على ما يجري وكأنهم يشاهدون فيلما خياليا تقع أحداثه في كوكب المريخ، وكل هذا نتيجة مباشرة لتراكم مشاعر الإحباط التي تدفعهم للشعور بالعبث وضياع الجدوى، وفي المحصلة النهائية يبدو شعار الجميع: هي فوضى .. وبها نرضى! باعتباري واحدا من أبناء العروبة، لا بد أن أتوجه بتحية التقدير للباحث الياباني الجاد نوبو أكي نوتو هارا، لأنه أهدى لنا – نحن العرب- بعض عيوبنا، ومن زاوية أخرى فإن لي صديقا عربيا حميما عاش في اليابان على امتداد عشر سنوات، فهل استطاع هذا الصديق العربي أن يهدي لليابانيين بعض عيوبهم، أم أنه عاش هناك مبهورا ومسحورا بعالمهم؟ أظن أن هذا السؤال يتطلب إجابة، لكن موعدها ليس الآن.