12 سبتمبر 2025

تسجيل

"اتقوا النار ولو بشق تمرة"

02 أبريل 2014

إن وسائل التكافل الاجتماعي كثيرة ينبغي على المجتمع الحق أن يعلمها حتى يتبعها ويسير على نهجها، ومن اهمها علي الاطلاق الإنفاق في وجوه الخير، فمبادئ الشريعة الاسلامية حثت على هذه الخيرية وحذرت من الشح والبخل، فجعلت في أموال الموسرين والأغنياء حقا معلوما للفقراء واليتامى والمساكين. فالهدي النبوي علمنا الطريق إلى الجنة فأرشدنا إلى كفالة اليتيم وأمر بوجوب رعايته وبشّر كفلاء اليتامى إن احسنوا اليهم سيكونون معهم في الجنة، لذا بشّر كافله بأنه رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في جنة عرضها السموات والأرض، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما" البخاري، فحق على من سمع هذا أن يعمل به ويجتهد ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فلا منزلة أفضل من ذلك، كما بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم، ففي الإحسان إلى اليتامى نجاة، فعلى المرء الذي يجد في قلبه قسوة وفي طبعه غلظة ويريد أن يذهبها الله عنهأو يريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أو يطمح أن يكسب مئات الحسنات، فالأمر يسير وهين فإذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده؛ أحسن إليه اقترب منه ابتسم له امسح رأسه طيب خاطره أدخل البسمة على روحه الظمأى. فالإحسان إلى اليتامى من أعظم البر لأن الأيادي الندية هي التي تنفق من عطاء الله تعالى كالمياه العذبة تنساب على الأرض العطشى لتعود الحياة إليها وتزهر وردا، لتغدو طاقة وسعادة بعطاءات مباركة على بيوت اغتمت بدموع حارقة لفقدان الراعي والعائل، لتحول نفوس ساكنيها إلى طمأنينة، بوركت تلك الأيادي البيضاء التي امتدت إليها وأنارت ظلمتها وزرعت فيها ابتسامة يشرق منها نهار يمتلئ بالأمل، لجني ثمار فردوس ربنا الدائمة ومرافقة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فيها.فيا ليت ترهف سمعك لهذه القصة، فلعلك تخرج منها بمنفعة تكون سببا لبحثك عن يتيم تكفله فيكون هذا سببا لدخولك الجنة.. يقول أحد الصالحين كنت في بداية أمري مكبا على المعاصي وشرب الخمر، فظفرت يوما بصبي يتيم فقير فأخذته وأحسنت إليه وأطعمته وكسوته وأزلت شعثه، وأكرمته كما يكرم الرجل ولده وأكثر، فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قد قامت، ودعيت إلى الحساب وأُمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصي، فسحبتني الزبانية ليمضوا بي إلى النار وأنا بين أيديهم حقير ذليل يجرونني سحبا إلى النار، وإذا بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق وقال: خلوا عنه يا ملائكة ربي حتى أشفع له عند ربي، فإنه قد أحسن إلي وأكرمني. فقالت الملائكة: إنا لم نؤمر بذلك. وإذا النداء من قبل الله تعالى يقول: "خلوا عنه فقد غفرت له ما كان منه بشفاعة اليتيم وإحسانه إليه" قال: فاستيقظت وتبت إلى الله عز وجل، وبذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى الأيتام. ولنبذل جهدنا لإيصال الرحمة إلى الأيتام فلعل الله ينفعنا بدعواتهم وشفاعتهم لنا يوم القيامة. فلنسرع الخطى إلى هذا الخير، فالمسلم الحق كريم مهما كان فقيرا ومهما كان عطاؤه قليلا، يأمره الإسلام أن تنبجس في نفسه عاطفة الرحمة بمن هو أفقر منه ويحس ما يعانيه غيره من ألم وحرمان.فهدي ديننا الحنيف يحض المسلمين على الإنفاق من طيب ما يملك كل منهم حسب استطاعته، لتبقى نفوسهم ممتلئة بنداوة المشاركة الوجدانية لإخوانهم. ووعد الله هؤلاء المنفقين على عطائهم باستثمار صدقاتهم وتنميتها حتى تصبح كالطود الشامخ. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل" متفق عليه، فهذا المجتمع نفسه يتحمل المسؤولية كاملة بأن يتضامن أبناؤه ويتعاضدوا فيما بينهم افرادا وجماعات على اتخاذ كافة المواقف الايجابية التي تكفل رعاية الأيتام، بدافع من شعور وجداني عميق ينبع من أصل العقيدة الاسلامية ليعيش اليتيم في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة هذا اليتيم المنسجم معها في سيرها نحو تحقيق مجتمع افضل، ولكيلا تنغلق النفوس وتحتجب عن المشاركة الوجدانية في المجتمع ولكيلا تجف ينابيع الخير والرحمة والتعاطف فيها، فلقد أراد الله للمسلم أن يكون عنصرا بناء فيه منفعة وخير لمجتمعه يفيض دوما بخيره على الناس. لذا دعانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الإنفاق ولو باليسير، وحذرنا من السلبية والانغلاق والإمساك لأن في ذلك مهلكة وبوارا، فقال عليه الصلاة والسلام: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".