18 سبتمبر 2025

تسجيل

فن التغريد

02 أبريل 2013

منذ الأزل، لم يتفق الناس على كُنه الفن، ولم يلتقوا أيضًا في تعريف محدد له، يجرّد لنا الفن في صورته الواضحة ومعناه الجلي. وقبل معرفة طبيعته، ظل الإنسان يمارسه بدافع الإبداع، فغنّى ورسم ونحت وعزف الموسيقى بذات الموجة التي تحرك بها عاطفته، ويسير بها إلهامه. إلى أن جاء الإغريق بالرؤية الواضحة والتعريفات المحددة، فتحدثوا عن ماهية الفن ووظيفته وغايته، ثم حدث أن قال أفلاطون بنظرية المحاكاة التي ترى أن الفنان وهو يحاكي الطبيعة يأتي بما هو أجمل منها وأروع. ثم جاء المحدثون بفكرة "التعبير" التي تستبعد المحاكاة وتهتم بـ "الإبداع" أو "الخلق". و إلى الأبد، ستقوم نظريات في الفن تحدد ماهيته، وتفسر طبيعته، ناهيك عن التجديد في الفنون، أو ولادة فن جديد، يتناسب مع العصر والبيئة المحيطة، كالموشحات في الزمن الأندلسي، التي جاءت كتعبير جلي يشرح للأجيال اللاحقة كيفية الحياة الأندلسية بجميع النواحي النفسية والأدبية والاقتصادية، وحتى على المستوى الاجتماعي فيما يخص أفراد المجتمع آنذاك. وقياسًا على ذلك، فإننا قد نعيش ولادة فن جديد، أو لعله كان فكرة مبتكرة، حوّله الإقبال الشعري والأدبي إلى فن جديد، يتناسب إلى حد ما مع سرعة العصر، وطبيعته الماراثونية. فن التغريد، الذي يُبقي الإنتاج الأدبي في حالة متواصلة لالتصاق المتلقي بالمبدع، وسرعة تلقي الاستجابة ونوعية ردة الفعل، فيلحظ الفنان إن كان الذي أنتجه لاقى استحسانًا أو على العكس من ذلك. ولعل إبقاء الإنتاج في حالة خصبة متواترة، أمر إيجابي يحفز الكاتب على المواصلة دون انقطاع، أمر يشبه الإدمان، أن الذي يخرج من القلب، يصل إلى آلاف القلوب في ذات اللحظة، بذات العاطفة. ولكن، يبقى هذا الإبداع ناقصًا، إذ إنه انحصر في حروف محددة لا تتعدى الـ 140 حرفًا، فيعمد الكاتب إلى زج الفكرة كاملة في ذلك القالب الضيق، الفكرة التي قد تعبر القارات وتصل إلى المدى لاتساعها، تنحشر في تغريدة ضيقة جدًا. لعل "التغريد" بجميع إيجابياته، إلا أنه يقتل الإبداع المطول، ويبتر الخيال الذي ما حاذى إلا الأفق، وما لامس إلا المدى، ولكنه في جلباب التغريدة، تُوقفه النقطة. أيضًا قد يُعتبر استنزافا للإبداع، إذ أن الصور تظل ضائعة في دهاليز الشبكة الالكترونية، وكذلك المفردة الفريدة تفتقد المتلقي الحريص الذي له أن يعرف قيمتها، فيدونها في ذاكرته ويحفظها في قلبه. إن الفن بجميع دراساته وفنونه الأدبية واللغوية والتشكيلية، لا يُناسبها المجال المحدود، والآفاق الضيقة، هي تريد السماء، والفضاء وكل حيز لا يحوي القيد والمقبض، في هكذا بيئة له أن يولد وينشأ ويترعرع ولا يموت.