11 سبتمبر 2025

تسجيل

رب همّة رفعت أمة

02 أبريل 2012

ثمة عبارات لا تموت، تسكن حواشي الألسن منذ الأزل إلى الأبد، لعلّ بعضها يندرج تحت بند المبادئ، والقيم التي وثقها الإسلام من خلال مواقف تجسدت في تصرفات الرسول عليه الصلاة والسلام وتعامله وحديثه، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى. فعبارة كـ (احترام الكبير) لا يليها إلا (العطف على الصغير)، فالتقاء الأجيال في نقطة تضم العطف والاحترام، لا أظن إلا أنها توّلد مجتمعاً معطاءً، كل أفراده وبمختلف أعمارهم، ذوو انتاجات وابتكاراتٍ. ولعلّ عطاء الكبير للصغير، يكمن في تقديم الخبرة، خاصةً إذا كانا في المجال ذاته، فكمية المعرفة التي يمتلكها الأول والخبرات التي أنتجتها السنون، قد تُفيدُ الآخر أيما إفادة، ثم إن الجمع ما بين الرغبة في التعلّم والخبرة، لا شك أنها تركيبةٌ عظيمة، قد تولد لنا عالِماً. أما عطاء الصغير للكبير، فهو عطاء الاحترام والإصغاء، في أن يهب له السمع فيما يقول، وأن يبسط يديه ليستقبل شهادة من الخبرات الحياتية التي ستقع بين كفيه ثم يقبض عليها كما القابض على الجمر، كما لابد أن يفرّغ مساحة في نفسه لكتلة العلم التي تجمّعت في ذهن معلم، ولأن الحياة علم وتعلّم، فلابد للتلميذ أن يشحذ العلم، كما يشحذ الأبطال الهمم. ولكن! ماذا لو أمسك الكبير علمه، وشحّ بخبرته..!؟ ماذا لو رأى ذلك الصغير وهو يمشي بجهدٍ في بداية خط الإبداع، بينما يقف الخبير في نهايته، ولكنه أعرض، ولم يأخذ بيده، ليصقل موهبته، وينمّي إبداعه، كيف السبيل إلى المعلّم وقد محا آثار أقدامه لكي لا يهتدي له التلميذ..!؟ إن موقفاً كهذا، يكون وارداً جداً في عالم الإبداع، وعالم المواهب، كأن يخشى "البعض" من أصحاب الخبرات، من أولئك الذي يتفجرون طاقة إبداعية، فيضللون طريقهم بالتحطيم والتحقير والاستهزاء، ويعملون على تكسير هممهم كما يتكسر البَرَد على ظهور الصخور، لا لشيءٍ! ولكن خشية أن يتفوق الصغير على الكبير، والهاوي على المحترف، والتلميذ على الأستاذ. إن العلماء الذين سبقونا إلى العلم، وصلوا عن طريق التزامهم معلماً، فها هو الإمام الشافعي يشكو لمعلمه فيقول: شكوت إلى وكيع سوء حفظي .. فأرشدني إلى ترك المعاصي، إذاً كان له معلم يُغدق عليه النصائح، ويُهديه المواعظ، يعلّمه ويوبخه، ويعنّفه، ثم إن كل ذلك يصب في قالب الإرشاد. فإذا كان للعلماء علماء أرشدوهم، لمن يلجأ إذاً من هو يسير في أول طريق الإبداع، وأين يمكن أن يجد الهواة أساتذتهم، في حين إعراض الكبار منهم عنهم..!؟ كنتُ قد سألتُ ذاتي هذا السؤال مراراً وتكراراً، وعندما كنت أجهل الإجابة، فقد التزمت الكتب، منها أتعلّم، وبها أتمرّس، أمشي في طريقي بعبارة جعلتها نصب عينيّ في حال غياب المعلّم، أن "القراءة زاد الكتابة"، وبدعوة لا أزال أرددها "رب زدني علماً". [email protected]