14 سبتمبر 2025

تسجيل

لن تغيب قضيتنا المركزية

02 مارس 2015

قبل ثورات الربيع العربي التي اندلعت مع مطلع العام 2011، كانت مفردات ووقائع القضية الفلسطينية هي المهيمنة على الصفحات الأولى في صحف المنطقة، فضلا عن متابعة التفاصيل باستطراد أوسع في الصفحات الداخلية، وعلى رأس نشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية، ثم بدأت المساحات سواء الزمنية أو المكانية، تخفت تدريجيا حتى تكاد أن تنزوي إلى ذيل الصفحات والنشرات وفي بعض الأحيان لا تجد لها موقع قدم في هذه المساحات، من فرط تصاعد وتمدد الأحداث والتطورات في المنطقة، من سوريا والعراق، مرورا بليبيا واليمن ووصولا إلى مصر. وهو أمر جعلني أتساءل: هل بدأ العرب يتجاهلون القضية على الرغم مما يبدو في بعض الأحيان من اهتمام تبديه الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، متجليا في عقد اجتماعات طارئة لوزراء خارجية الدول الأعضاء بهما، بحضور الرئيس محمود عباس أبو مازن، وبلغ الأمر مداه بالتوجه إلى مجلس الأمن نهاية ديسمبر الماضي، وهي المحاولة التي تم إجهاضها لاستصدار قرار ينهي الاحتلال الصهيوني خلال فترة زمنية محددة، بفعل التآمر الصهيوأمريكي، ثم توقف الأمر عند هذا الحد، ولم يقع تطور جديد، خاصة مع حالة الركود المتزامنة مع قرب إجراء انتخابات الكنيست الصهيوني خلال الشهر الحالي، وهو أمر- سواء أبينا أم شئنا- يفرض معادلته على مجريات القضية الفلسطينية، التي باتت ملغومة بالمتغيرات والمؤثرات الخارجية، بأكثر من تأثرها بمعطياتها الداخلية، والتي أضحت بدورها تصب بمنحى سلبي من فرط استمرار الانقسام الفلسطيني، بالذات بين حركتي فتح وحماس، اللتين يبدو أنهما لم تبلورا إرادة حقيقية باتجاه إنجاز فعل المصالحة.ومع ذلك، فثمة حراك للإبقاء على جذوة القضية مشتعلة، قادته مؤخرا بالقاهرة مؤسسة ياسر عرفات، التي يرأس مجلس إدارتها الدكتور ناصر القدوة ابن شقيقة الزعيم الراحل، على هامش اجتماع مجلس أمنائها السنوي الذي عقد يوم الأربعاء الماضي برئاسة السياسي البارع عمرو موسى بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، والتي أطلقت مساء اليوم نفسه الدورة الأولى لمنتدى الحوار والذي اتخذ عنوان "إنجاز الاستقلال الوطني والسيادة الإستراتيجية المطلوبة للدولة الفلسطينية".وفي هذا المنتدى حدد كل من الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وعمرو موسى، والذي كان أمينا عاما للجامعة قبله، محددات التعامل مع مسار القضية الفلسطينية، الذي تعرض لضربات موجعة خلال ربع القرن الأخير، منذ توجه العرب إلى المسار التفاوضي، وسط حالة ضعف بنيوي، وتركيز كل أوراقهم في السلة الأمريكية تنفيذا لمقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات والذي أعلن أن 99 في المائة من أوراق القضية بيد واشنطن.وأول هذه المحددات يتمثل في ضرورة الإعداد الجيد قبل التوجه بمشروع قرار عربي جديد لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال وذلك يعني القيام بدراسة واقعية لعوامل الفشل التي أجهضت المشروع الأول، سواء على مستوى الصياغة التقنية أو الاتصالات مع الأطراف المؤثرة ووفق معلومات خاصة، فإن الجامعة العربية بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية بدأت هذه الاتصالات مع عدد من العواصم المهمة، وإن كنت أعتقد أن معظم هذه الأطراف، لن يكون بمقدورها أن تتحرك إلا عقب تشكيل الحكومة الصهيونية، بعد إجراء انتخابات الكنيست الشهر الحالي وتلك عملية قد تستغرق وقتا طويلا بسبب التناقضات بين التيارات المختلفة، خاصة اليمينية والمتطرفة التي ترغب في الهيمنة على المشهد السياسي في الكيان الصهيوني.وبالتأكيد فإن الانتخابات المقبلة ستفضي إلى المزيد من صعود اليمين المتطرف إلى السلطة بقيادة بنيامين نتنياهو، متحالفا مع قوى أشد تطرفا في أغلبها من قطعان المستوطنين - حسب تعبير السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة – وهو ما سيقود إلى توسيع دائرة التلكؤ في التعاطي مع ملف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، في ظل الإسناد الواضح من قبل الإدارة الأمريكية التي لم تتمكن طوال العامين المنصرمين من تحقيق أي اختراق، رغم التعهدات التي قدمها كل من نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري لوفد من وزراء الخارجية العرب زار واشنطن في مارس من العام 2013، ووفقا لرؤية عمرو موسى، فإن التحرك المقبل للعرب عندما يحين الوقت ينبغي أن يستند إلى ضرورة أن يصدر مجلس الأمن التوجيه اللازم من خلال قرار واضح ومحدد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووفق إطار زمني، واستنادا إلى نقاط أساسية للحل، تتضمن عدة مبادئ، منها عدم جواز الاستيلاء على الأرض، وبأن الأمن هو أمن الجميع للفلسطينيين والإسرائيليين، معتبرًا في هذا الصدد أن الإطار الأسلم للجميع ما زال هو المبادرة العربية بصيغتها الحالية دون تغيير أو تعديل، مطالبا بالدخول في مفاوضات مع القوى المؤثرة لضبط أطر أي مشروع لقرار يتم طرحه بمجلس الأمن، مشيراً إلى أن أفضل وسيلة لهذا التفاوض هي الجامعة العربية التي تقود العمل العربي المشترك. ثاني هذه المحددات يكمن في الإسراع بإنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية، والتي تمثل الخطر الرئيسي أمام تصليب مواقف الطرف الفلسطيني في تفاوضه مع الكيان الصهيوني، ويمكن القول في هذا السياق: إن تداعيات الانقسام على مدى السنوات التسع الماضية، منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، شكلت ثغرة رئيسية في جدار القوة التفاوضية الفلسطينية، وهو ما عبر عنه عمرو موسى بقوله: ما دام الفلسطينيون منقسمين، فلن يكون هناك موقف تفاوضي قوي يعبر عنهم جميعا.وحسب منظور الدكتور نبيل العربي فإن ما يسمى بمعسكر السلام داخل الكيان أصيب بصدمة من جراء تفاقم الانقسام الفلسطيني، والمرء يتساءل: هل غابت بالفعل الرؤية الصحيحة وضاقت العبارة لدى القيادات الفلسطينية لتنأى عن إتمام المصالحة، فيسعى كل طرف إلى من يعتبرهم حلفاء له خارج المنظومة الوطنية، فضلا عن التحرك الاستخباراتي الصهيوني النشط من خلال بث المعلومات والتصريحات المكذوبة لتوسيع هوة الخلاف وللأسف يصدقها البعض من هذا الفصيل أو ذاك، فتظل الفجوة متسعة مصحوبة بسيل من الاتهامات وفي بعض المراحل الخطوات أحادية الجانب، سواء في الضفة أو في القطاع، والتي تضر بالقضية الفلسطينية بالضرورة، وبالتالي لم يعد ثمة خيار أمام الجانب الفلسطيني، سوى العودة إلى المصالحة الوطنية بإرادة صلبة وبدون تمييع من هذا الطرف أو ذاك وإلا فلن تكون ثمة دولة مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. ثالثا: التحرك باتجاه تجنيد الطاقات المتوافرة في مناطق عديدة في العالم التي تؤيد القضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها البرلمانات الأوروبية، للحصول على المزيد من قراراتها بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، لاسيَّما بعدما أقدمت عليه برلمانات بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا يوم الجمعة الفائت، وغيرها، وبالطبع في المقدمة من كل هؤلاء جميعا البرلمان السويدي الذي قاد زمام المبادرة وتجاوبت معه حكومته التي أعلنت الشهر الماضي رفع مستوى تمثيلها مع دولة فلسطين إلى مستوى سفارة.وتقديرا لهذه الخطوة وجه الدكتور نبيل العربي الدعوة لوزير خارجيتها لحضور اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في دورته العادية الـ143. والسؤال: هل يكفي ذلك لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية من حيث الاهتمام السياسي والإعلامي؟ هي خطوات مطلوبة في الوقت الراهن، بيد أن ثمة خطوات أخرى عديدة، يتعين الاستعداد لها لاستعادة حقوق فلسطين وبناء دولتها المستقلة.