16 سبتمبر 2025
تسجيللم تكن استقالة حكومة الانقلاب الأولى التي كان يقودها رسميا حازم الببلاوي مفاجأة، خاصة بعد كل الفشل الذي لحق بها وأدى إلى تآكل قواعد الانقلابيين تدريجيا وتحول كثيرين إلى مؤيدين لعودة الشرعية. فقد كانت هذه الحكومة بحق أسوأ حكومة جاءت في العصر الحديث حيث ارتكبت في عهدها كل الموبقات بدءًا بارتكاب أكبر الجرائم ضد الإنسانية وليس انتهاءً بتدمير الاقتصاد وسرقة ثروات الوطن.كذلك لم يكن مفاجأة تعيين إبراهيم محلب، وزير الإسكان في الحكومة المقالة، رئيسا للحكومة الانقلابية الثانية، حيث كان هناك هدفين للانقلاب: الأول هو التخلص من الفشل الذي لحق به خلال وجود حكومة الببلاوي عبر إقالتها، لإيصال رسالة للداخل بأنها من تتحمل ذلك الفشل، وبالتالي يجب إعطاء فرصة جديدة للانقلابيين. والأمر الثاني يتعلق بانتهاز الفرصة لإعادة نظام مبارك كاملا بنفس وجوهه القديمة، أو بمعنى آخر التمكين الكامل للثورة المضادة للقضاء على ما تبقى من ثورة يناير.ولم يكن هناك أفضل من إبراهيم محلب ليقوم بذلك، فهو أحد أبرز فلول النظام السابق حيث تم تعييه بمجلس الشورى بقرار من الرئيس المخلوع حسني مبارك، كما تم تعيينه عضوا بلجنة السياسات بالحزب الوطني التي كان يرأسها نجل مبارك، مكافأة له على دوره الكبير في تسهيل سرقة ونهب أراضي خاصة بشركة "المقالون العرب" التي كان يرأس مجلس إدارتها.وبعد ثورة يناير ارتبط اسمه بالعديد من قضايا الفساد، لعل أشهرها تلك المتعلقة بتمليك رئيس المخابرات الراحل عمر سليمان لعدد 50 فدانا خلف نادي القاهرة بالتجمع، وكانت هذه الأرض معروف عنها أنها ملك "المقاولون العرب"، كذلك قضية تجديد قصور الرئاسة التي حصلت عليها الشركة خلال فترة توليه إدارتها بالأمر المباشر من جمال مبارك، حيث حصل على أكثر من مليار جنيه. وهي القضية التي كشفت عنها هيئة الرقابة الإدارية، التي اعتبرتها من أكبر قضايا الفساد للرئيس المخلوع ونجليه علاء وجمال منذ ثورة 25 يناير، وهي عبارة عن مليار جنيه مستخلصات أعمال مقاولات وهمية لإجراء تعديلات بالقصور الرئاسية لم تتم، في حين أنه تم الاستيلاء علي هذه المبالغ لصالح الرئيس السابق وأسرته لبناء وتشطيب وتأسيس الفيلات الخاصة المملوكة لهم بالتجمع الخامس وجمعية أحمد عرابي.كل قضايا الفساد هذه وغيرها من القضايا المتورط فيها رئيس وزراء الانقلاب الجديد، تشير إلى أن قادة الانقلاب أصبحوا يلعبون بشكل مكشوف كما كان الأمر قبل ثورة يناير حينما كان الرئيس المخلوع يختار أسوأ الشخصيات لتوليتها المسؤولية السياسية والاقتصادية للبلاد بغض النظر عن ردود الفعل. ربما يمكن تشبيه هذا الأمر بأسلوب الصدمة الذي اتبعه العسكر في مواجهة الاعتصامات والتظاهرات ضد الانقلاب، حينما ارتكبوا أبشع الجرائم الإنسانية من أجل توصيل رسالة تهديد صادمة للجميع أنه لن يتورع عن ارتكاب أية جرائم في سبيل وقف الاحتجاجات ضدهم. والآن هم يستخدمون ذات الأسلوب سياسيا من أجل إيصال رسالة للداخل مفادها أن يتوقعوا الأسوأ دائما وبالتالي يكون الإحباط هو سيد الموقف.. الإحباط الذي يكسر المجتمع أمام الانقلاب.لكن كما استطاع أحرار الشعب المصري كسر سيناريو الصدمة في شقه الأمني، فبالتأكيد سيستطيعون كسره في شقه السياسي، حتى يسقط الانقلاب ودولته التي أسسها في عام 1952.