12 سبتمبر 2025
تسجيلأزعم أنني على دراية ولو محدودة بالشأن الخليجي بحكم عملي في العاصمة القطرية – الدوحة- لفترة تقترب من العشرين عاما وزياراتي المتعددة لكل دول منظومة مجلس التعاون وقيامي بمتابعة أغلب الاجتماعات في تلك الفترة سواء على مستوى القمة أو الوزراء بمختلف تخصصاتهم وذلك يدفعني إلى القول بأن هذه المنظومة باتت في حاجة إلى التحول الجذري من حالة "التعاون" السائدة منذ نحو ثلاثة وثلاثين عاما عندما انطلقت بمدينة أبو ظبي في الخامس والعشرين من مايو1981 إلى الصيغة المنطقية التي تستحقها المتمثلة في "الاتحاد" وصولا إلى الحلم الأكبر وهو قيام دولة خليجية موحدة تفرض حضورها الإقليمي والدولي وتشكل قيمة مضافة للنظام الإقليمي العربي بل قد تدفعه إلى الدخول في مرحلة الوحدة الشاملة التي يحلم بها الشعب العربي منذ تقسيم المنطقة العربية إلى كيانات وأقطار- وفقا لاتفاقية سايكس بيكو في العام 1916 -تتباين في حجمها الجغرافي وكثافتها السكانية والأخطر أن القوتين اللتين أشرفتا على هذا التقسيم وهما بريطانيا وفرنسا رسمتا الحدود فيما بين هذه الأقطار على نحو يجعلها قابلة للاشتعال في أي وقت الأمر الذي ما زالت تكابده المنطقة وأسهم في قيام حروب بين الأشقاء. وما دفعني للكتابة عن هذا الملف هو مشاركتي في ندوة عقدت بالقاهرة يوم الخميس الماضي بالتنسيق بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومركز الخليج للأبحاث خصصت على مدى اثنتي عشرة ساعة لمناقشته وفقا لمنهجية العلمية والأكاديمية بمشاركة أكثر من 40 مفكرا من مصر ودول مجلس التعاون الخليجي والميزة النسبية التي اتسمت بها هذه الندوة تكمن في أنها تجنبت المجاملات وتبنت خطابا ينهض على الشفافية والمصارحة والموضوعية لأن الأمر يتصل بخيار مصيري يتعلق بمنطقة هي واحدة من أهم مناطق العالم حيوية وامتلاكا للأبعاد الإستراتيجية ومن خلال متابعتي لمختلف المداخلات والمساهمات الفكرية لمعالجة هذه القضية بوسعي التأكيد أن الدخول في مرحلة الاتحاد لا يمكن اعتباره ترفا وإنما فريضة واجبة يتعين المضي باتجاهها بكل قوة وحرص على النجاح والتبلور في الواقع الخليجي حتى وإن بدا ثمة تحفظ هنا أو تردد هناك وذلك للمعطيات التالية: أولا: إن دول مجلس التعاون بلغت مرحلة متقدمة من النضج واكتمال تجربة التنسيق والتكامل رغم بعض الاختلالات والمعوقات في بعض المجالات وذلك من طبائع الأمور ولا يشكل مصدرا للخوف أو الهواجس وبوسعي الإشارة إلى أن الأجيال الجديدة في المنطقة أضحت تتطلع إلى بروز الكيان الاتحادي الخليجي بحسبانه سيشكل رافدا لفتح نوافد التنقل دون معوقات سواء للبشر أو رؤوس الأموال أو الخبرات أو حتى الأحلام وألفت في هذا السياق إلى تجربة الدكتور عبدالله باعبود العماني الجنسية والذي يرأس برنامج دراسات الخليج بجامعة قطر والتي استعرضها ربما ضاحكا أو باكيا أو بمزيج من الضحك والبكاء معا فقد قرر التوجه من بلاده إلى الدوحة بسيارته الخاصة وعندما توقف عند المنفذ الحدودي الذي سيدخل منه إلى الأراضي السعودية مرورا إلى الدوحة سأله مسؤول المنفذ عن وثيقة التأمين الخاصة بالسيارة فأبلغه أنه يحمل وثيقة التأمين التي تصدر باسم مجلس التعاون والتي من المفترض أن تسمح له بالمرور والتحرك في أي دولة من دوله الست . بيد أن هذا المسؤول أصر على أن يستخرج وثيقة تأمين سعودية فالتعليمات لديه واضحة في هذا الشأن. ثانيا: إن المنطقة في ضوء ما تواجهه البلدان العربية خاصة الكبرى والتي باتت مشغولة بهمومها وقضاياها الداخلية لاسيَّما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي والتي كانت دول منظومة مجلس التعاون أو أغلبها لاعبا رئيسيا فيها تتطلع إلى أن تشكل كيانا واحدا حتى وإن أخذ في المرحلة الأولى الصيغة الكونفيدرالية التي تسمح باستمرار كل دولة في ممارسة سيادتها الوطنية مع ترك السياسة الخارجية وشؤون الدفاع والاقتصاد والطاقة للسلطة المركزية فذلك من شأنه أن يعظم المكانة والدور ويتحول الاتحاد الخليجي إلى رقم مهم في المعادلة الإقليمية والدولية وفي الوقت ذاته يمتلك درجة استقلالية أكثر على صعيد اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بالشؤون الدفاعية والعسكرية والأمن الإقليمي من دون الحاجة إلى الاعتماد الكلي على العامل الدولي الذي مازال يمارس نفوذه بحكم غياب هذه الدرجة بل إنه سيكون أكثر قدرة على التعاطي بفعالية مع فوائض أعضائه المالية لإنفاقها في الداخل أو في محيطه العربي أو حتى الإسلامي دون أن تتكدس في بنوك ومصارف الغرب الذي يتحكم فيها بشكل أو بآخر. ثالثا: لا أظن أن مخاوف من قبيل رغبة المملكة العربية السعودية التي تبنى عاهلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدعوة إلى قيام هذا الاتحاد للهيمنة على الدول الأخرى في حال قيام الاتحاد الخليجي لها موقع من الإعراب فوفقا لما ذكره لي الدكتور ظافر العجمي رئيس مجموعة مراقبة الخليج بمركز الدراسات والأبحاث الكويتي فإن المملكة بمقدورها أن تمارس الهيمنة حتى من دون إقامة هذا الاتحاد ويضيف: هذه مسألة افتراضية ولا تبدو واقعية في ظل الممارسات التي كانت سائدة على مدى العقود الثلاثة الماضية والتي لم يثبت خلالها أي نزوع لهيمنة الرياض على دول إقليم الخليج ولم تطرح من الدول الأعضاء بالقوة التي طرحت بها مسألة المساس بالسيادة الوطنية أو العبء الاقتصادي الذي يمكن أن يضيفه التحول من التعاون إلى الاتحاد. رابعا: إن دول منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية أثبتت خلال العقود الثلاثة الأخيرة قدرتها على تعزيز الاستقرار لشعوبها رغم عمق التحديات الأمنية والإستراتيجية وشكلت عنصرا داعما لكافة الأشقاء العرب ومن ثم - الكلام للسفير ناصر كامل مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية -فإن الارتقاء بها إلى صيغة الاتحاد على نحو يعزز من فعالية آلياتها التنسيقية والتكاملية سيمثل بدوره تعزيزا وتقوية لمنظومة العمل العربي المشترك والتضامن العربي.