13 سبتمبر 2025

تسجيل

أمومة الرواية

02 مارس 2014

من طبعها وبدئها انتبهت الرواية الى أدقّ التفاصيل، تماماً كأمومة الأنثى التي تهتم بالشاردة والواردة في بيتها، هكذا اتجهت الرواية نحو الأمومة المفقودة ليس في الساحة الثقافية وحسب، إنما في الكون كله، فلا نجد كاتباً بالمجمل إلا وابتدأ بالشعر، أو تمنّى أن يكون شاعراً، ولكنه عندما لم يفز بذلك غيّر اتجاهه، فالرواية نسيج دؤوب تطرزه أيد ليست في حاجة ماسّة إلى طبع الإلهام، لكن الشاعر يكتب بروحه ودمه، فلا يعطيك من العطر إلاّ خلاصته المقطّرة التي تأخذ وقتها بالفوح والبوح، لتحفظ كل ما حولها من الزمان والأمان والمكان، لذلك بقيت الملاحم والأعمال العظيمة، وبقيت معها الميثولوجيا التي عملت كجزء لا يتجزأ من مادة الشعر الخام، الذي يسبق زمنه ويتطور بأسرع مما تتحمّله الذائقه المتواضعة، ليبقى الشعر في الأعلى، لا يصله من المتلقّي إلّا من يشابهه، ممّا جعل بعضهم ينفضّون عنه، ويذهبون إلى الرواية التي تأخذ بيدهم إليها، وهذا ما تُغبط عليه الرواية لأنها لم تتعالَ على متلقيها ولم تهبط دونه. وعلى الرصيف الآخر انفلتت الساحة الشعرية، وكسرت رتاج قلعتها عندما فتحت نفسها على السياحة العامة، فدخلها من دخلها، وتطرّف بعضهم إلى الحدّ الذي قاد إلى نقيضه، بدل أن يطلقوا شعبيتهم وينجزوا عملهم الإبداعي بما يتساوق مع الخاصة والعامة وروح الشعر الطيبة، فحجر الروح هذا وأعني الشعر لا يقدح في نفس المتلقي إلّا عندما يلامس وجعه وفرحه. لقد نجحت المرأة الروائية، فالرواية تغلب عليها الجينات المؤنثة، التي تقف بجلالة عطائها ككل الأمهات، بينما تتساوى وتتكامل في الشعر الأنوثة والذكورة تماماً كالنبت الأخضر الذي لا يحتاج إلى غيره كي ينمو ويتكاثر، وأرجو ألّا أقع في متاهة المفاضلات أو التحزّب، مع أنني أعترف وأنا في كامل براءتي بأنني أنتمي إلى حزب الطّيور، ومعجبة جِداً بالأرض التي منها جبلنا وإليها نعود.