13 سبتمبر 2025

تسجيل

غمامة الوهم

02 يناير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم تكن المرة الأولى التي تدلي بها الولايات المتحدة بحق النقض "الفيتو" على مشروع قرار مجلس الأمن عندما يمس الأمر بالمصالح التوسعية لإسرائيل، فكثيرا ما أنقذت الولايات المتحدة إسرائيل من قرارات كان من شأنها ربما أن تعجّل من التوصل إلى حل سياسي يسمح للفلسطينيين بإقامة دولة لهم على ترابهم الوطني المستقل. فقبل أيام قليلة عارضت واشنطن مشروع قرار لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبهذا تبخر مشروع الرئيس الفلسطيني عباس على نيران الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل. والتصريحات الرسمية الأمريكية التي رافقت القرار تقطع الشك باليقين وتبرهن مرة أخرى على أن الإدارات الأمريكية لا يخالجها أي شعور بالخجل بانحيازها المفرط للموقف الإسرائيلي دون خشية من أو خشية على السلطة الفلسطينية.السلوك الأمريكي الأخير وهو وإن لم يكن مفاجئا إلا أنه كان كافيا لتنقشع غمامة الوهم التي عشعشت برؤوس فريق المفاوضات الفلسطيني الذي عمل ما في وسعه من أجل التوصل إلى حل سلمي، وبالفعل آمن الرئيس عباس وفريقه بالمفاوضات بل راهنوا على الموقف الأمريكي لعله يدفع قدما عملية السلام. وعلى خلفية سقوط المشروع في مجلس الأمن لنا هنا أن نتساءل فيما إذا كان كبير المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات قد أعاد النظر بمقولته الشهيرة بأن الحياة مفاوضات! ولنا أن نتساءل فيما إذا استفاق الرئيس عباس من دهشته وهو يرى كيف أن جهوده في كل مرة تذهب أدراج الرياح؟من جانبها تدافع الولايات المتحدة عن موقفها الضار بمصالح الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال بإصرارها على أنها تلعب دور "الوسيط النزيه". وفي هذا السياق تصر واشنطن على أن موقفها من الصراع محكوم برغبتها في إقناع إسرائيل بضرورة التوصل إلى حل سلمي مع الفلسطينيين، ووظفت واشنطن تاريخيا مقولتين لتبرر فيهما موقفها الداعم لإسرائيل: أولا، على واشنطن أن تستمر في تقديم دعم عسكري لإسرائيل لتضمن تفوقها العسكري متذرعة بأن إسرائيل القوية والواثقة من نفسها تكون أكثر استعدادا لتقديم التنازلات المطلوبة لإحلال السلام وإن إسرائيل الضعيفة لا يمكن لها أن تصنع السلام مع جيرانها. ثانيا، على الولايات المتحدة أن تحمي إسرائيل دبلوماسيا وتعمل على منع أي قرار مجلس أمن ضد السياسة الإسرائيلية حتى لا تشعر إسرائيل بأن العالم "يستهدفها" وحتى لا تشعر بأنها معزولة ومحاصرة، فإسرائيل التي تشعر بحماية أمريكا لها في مجلس الأمن هي أكثر استعدادا لتقديم ما يلزم من تنازلات في سياق اتفاقيات سلام.في مقال سابق لي نشر هنا في صحيفة الشرق تحدثت عن وسطاء الخداع وكنت أعني أن مقولات الولايات المتحدة وزعمها بأنها تعلب دور "الوسيط النزيه" لم تعد لتنطلي حتى على المغفلين في إقليمنا، فهي بمواقفها إنما تحمي توسع إسرائيل وليس أمن وبقاء إسرائيل، واستحال تحقق السلام بسبب مقاربتها المنحازة، وربما ليس مصادفة أن يسمي عضو فريق السلام الأمريكي السابق أرون ديفيد ميلر الولايات المتحدة بأنها محامي إسرائيل، وإلا كيف يمكن فهم السلوك الأمريكي الأخير بمجلس الأمن؟!وربما السؤال الأهم في كل ما يجري مرتبط بالفلسطينيين أنفسهم، فبعد أن انقشعت غمامة الوهم وبعد أن أصبح السلام أوهاما وسرابا وبعد أن تبيّن للقاصي والداني أن المراهنة على الولايات المتحدة هي ضرب من السذاجة والجنون يتساءل المراقبون – وكاتب هذه السطور من ضمنهم – فيما إذا كان في جعبة الرئيس عباس وفريقه أي خطة بديلة للتعامل مع السقوط المدوي لمشروعهم في مجلس الأمن؟من دون الدخول في تفاصيل المشهد الفلسطيني المتهالك ومن دون الدخول إلى لعبة إلقاء اللوم على هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك نرى أن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في المقاربة الرسمية التي ترى بالولايات المتحدة اللاعب الذي يمكن الرهان عليه. فالولايات المتحدة بقيادة بوش الابن كانت أكثر صدقا من إدارة أوباما في إدارة انحيازها لإسرائيل، فبوش لم يتردد في إبراز موقف بلاده المنحاز جهارا نهارا في حين أن أوباما لم يقدم إلا المعسول من الكلام في حين كان هو يعرف بأنه يفتقد قوة التأثير على السياسة الإسرائيلية.الثابت في المعادلة هو ارتفاع وتيرة الاستيطان الإسرائيلي الذي بات استيطانا متوحشا غير مدجن، فأي نظرة إلى خريطة الضفة الغربية والقدس المحتلة تكشف أنه لم يعد هناك متسع من الأرض لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهذا أمر يجب أن لا يغفله الجانب الفلسطيني الذي عليه أن يستلهم تجارب أخرى حتى يبني إستراتيجية مختلفة عن إستراتيجية وضع القضية برمتها بالسلة الأمريكية. في الأشهر الأخيرة ثبت ما كنا نعرفه منذ زمن بأن الركون إلى دور تلعبه واشنطن كمن يؤمن للماء بالغربال.