11 سبتمبر 2025
تسجيلونحن نقرأ الصحف في وطننا وفي سائر دول الخليج والعالم العربي والإسلامي نلاحظ أن كثيراً ما تقع أعيننا على أخبار ومقالات تتناول عدداً من أوجه الفساد وتحديداً تلك السرقات والانتهاكات التي تتعرّض لها أموال الدولة وخزائنها وميزانياتها وبالتالي مما يؤثر سلباً على مصروفاتها التي اقتطعت من دخلها وإيراداتها العامة دون أن يستفيد منها الوطن ولا المواطن وإنما يستفيد منها المنتفعون من أولئك المسؤولين وأعوانهم من التجار.إن الفساد ما هو إلا نتيجة لأزمة ما، وعلامة لمؤشر ما، وعرض لمرض يسري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي من المفترض أنها تطبّق أحكام الشريعة الإسلامية المتمثلة في حد السرقة بقطع يد السارق وغيرها من الحدود والأحكام على اعتبار أن هذه الدول والمجتمعات تبدأ جميع دساتيرها – الوضعية – أو غالبها بمادة أولى مفادها أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد في التشريع - أو هكذا ينبغي أن يكون - فلماذا إذاً ابتليت الأمة بقضايا فساد لا عد لها ولا حصر رغم اعتمادها ذلك التشريع الإلهي في مثل هذه المسائل؟! ولماذا ارتبط ذلك بتخلّف دولنا وأوطاننا وتراجعها إلى ذيل قائمة الدول المتطورة في مجالات الصناعة والعلوم والتجارة والعلم والتأليف وغيرها من مظاهر النهضة والتطوّر؟! ولماذا أيضاً تقدمت علينا تلك الدول الغربية – الكافرة – المتخلّفة في عقيدتها وانحلال أخلاقها في حين أنها تطوّرت في كل تلك المجالات الآنفة الذكر بل وتقدّمت أكثر في مجالات حقوق الإنسان وحرية الرأي والرأي الآخر؟!الأمر ببساطة هو في ابتعاد الأمة عن شرع ربّها الذي أراد لها أن تسمو وتحلّق في السماء فإذا بها تنحدر وتلتصق بالطين والوحل وأوساخ الأرض، إن الخلل هو تطبيق الأمة لهذا الشرع الإلهي العظيم الذي تركته والتجأت إلى غيره من الشرائع الحقيرة التي لن ولم تستطع أن تنقذ واضعيها من البشر الذين ضلّوا وتاهوا الطريق في الحياة ناهيك عن أن تنقذ غيرها من الأتباع من بني جلدتنا المقلّدين لهم، في حين أن أولئك القوم في الغرب والشرق ممن لا دين لهم من الملاحدة والمشركين تفوّقوا لأنهم أخذوا مبادئ وأساسيات ديننا وطبّقوها رغم أنهم لم يأخذوا العقيدة السليمة التي نعتقد بها، ولكنهم أخذوا مبادئ الإسلام في العدل والحريّة والمساواة فنهضوا وتقدّموا وتطوّروا، فكيف إذا أخذناها نحن المؤمنين بالله تعالى وعملنا بها جميعها، بالتأكيد سنكون حينها على مشارف الاقتراب من جيل الصحابة والسلف الصالح الذين نعتقد اعتقاداً جازماً بأننا مهما فعلنا من الخير والفضل فإننا لن نصنع صنيعهم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه).ندرك جيداً أن الخلل في التطبيق لهذا الدين العظيم هو الذي جعلنا في آخر الركب بين الأمم، وما تلك الاختلاسات هنا وهناك في المال العام ونحوها من السرقات إلا وجه واحد من ذلك الخلل في التنفيذ، ولو أن المرجع في تلك الحالات كان مرجعه (لو صلح الراعي لصلحت الرعيّة)، أو (ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)، لما وصل الحال إلى ما صرنا إليه حيث تعيش بلدان العالم الإسلامي في حالتين، إما دولٌ تنفق الملايين بل والمليارات على بنيتها التحتية وعلى مواطنيها ولكن لا جدوى من ذلك كلّه حيث تزداد السرقات اضطرادياً مع ازدياد ميزانية تلك المشاريع الكبرى والخدمات المقدمة للناس حيث يتغلغل الفساد فيها دون أن يتضح للناس ذلك الأثر الكبير في الرفاهية والترف وهي الحالة التي يشعر بها المواطنون في أغلب دول الخليج (النفطية) عندما لا يجدون أثراً لتلك المليارات الطائلة في تغيير أسلوب حياتهم إلى الأفضل، أما الحالة الثانية فإنها تتضح في تلك الدول (غير النفطية) التي لا تنفق كثيراً على بنيتها التحتية ولا على مشاريعها الكبرى نظراً لانشغال الحاكم وحزبه ومن معه في الحكم من المسؤولين والوزراء في السرقة والنهب من ميزانية الدولة – المعتمدة على إيرادات الزراعة أو السياحة غالباً - في أسرع وقت ممكن، خشية أن يكتشف أحد تلك السرقات فيتوقف رصيد حساباتهم في بنوك سويسرا وغيرها من الدول، بيد أن هذا الوقت الذي يراه هؤلاء غير كافٍ لسرقة المزيد من الأموال رغم وجودهم في الحكم لسنوات طوال.. لا يمرّ سريعاً على الشعوب التي سُحقت في انتظار الإصلاح والتغيير.. كما لخّصها أحمد الحفناوي ذلك الرجل التونسي عند اندلاع ثورة تونس بقوله (هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية). وفي كلا الحالتين تبقى الأوطان والشعوب ضحية لتلك السرقات والانتهاكات في المال العام، فالشعوب الخليجية ترى مجتمعاتها بصورة جميلة المظهر خارجياً بينما الحياة في الداخل من حيث الحالة الاقتصادية والاجتماعية لعموم الناس يرونها في أقبح صورة بل تجدهم يترحّمون على الماضي الجميل، أما الشعوب العربية والإسلامية الأخرى في الدول غير النفطية فإنها تعاني أضعاف أضعاف ما يعانيه الآخرون لأنهم بائسون في حياتهم ولا يرون تنمية أو تغييراً في بلدانهم من حيث البنى التحتية ولا المشاريع الكبرى، فبعضهم يعيش تحت خط الفقر ولا يبالي أن يرى وطنه يشهد نهضة عمرانية أو اقتصادية واضحة لأنه يعلم يقيناً بأنها مشاريع عبارة عن سرقات يستفيد منها اللصوص من خزانة الدولة!وفي قصصنا القديمة عندما اكتشف علاء الدين المغارة التي يخبئ فيها الأربعون حرامي الكنوز والأموال التي سرقوها من الناس قام بإعادة تلك الأموال إلى أصحابها، لكن الفساد اليوم أصبح زعيم عصابة لا يقود "أربعين حرامي" فحسب وإنما يقود جيشاً من اللصوص الذين قد لا يظهرون ملثّمين أو على الخيول كما في القصة وإنما قد يظهرون هذه المرّة وهم يكشفون وجوههم ويلبسون أجمل الثياب ويركبون أفخم السيارات ويعتلون أعلى المناصب!