17 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة الاقتصاد الإيراني

02 يناير 2014

فرضت أزمة الاقتصاد الإيراني أجندتها على التطورات السياسية المتسارعة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، إذ بعد عشر سنوات من الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي وبسبب سياسة التحدي التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق أحمدي نجاد وكادت أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، أقدمت إدارة الرئيس الجديد حسن روحاني على دبلوماسية جديدة لا زالت تحت الاختبار حتى الآن. لقد فعلت العقوبات الاقتصادية فعلها، فانهارت العملة الإيرانية "التومان" وارتفعت معدلات البطالة والتضخم إلى أرقام قياسية وتعدى من يعيشون تحت خط الفقر نصف المجتمع الإيراني وانخفضت صادرات النفط بنسبة كبيرة بلغت 30% وتوقفت تقريبا المعاملات المالية للبنك المركزي وجمدت الأموال الإيرانية في الخارج. وشملت هذه العقوبات أنشطة القطاع الخاص، مما أعاق المعاملات التجارية والتحويلات المالية وخدمات بطاقات الائتمان والصرف الآلي للبنوك الإيرانية في الخارج، مما أدى إلى تدهور القطاع التجاري والمالي وأوجد نقصا خطيرا في بعض أنواع السلع والخدمات اللازمة لتسيير عجلة الاقتصاد. أدى كل ذلك إلى تكبد الاقتصاد الإيراني لخسائر كبيرة قدرت بـ 172 مليار دولار في غضون سنوات قليلة، حيث أعلن الرئيس حسن روحاني في أول خطاب له في البرلمان عندما اعترض كلماته بعض الرديكاليين، قائلا "يجب أن لا يخفى عليكم من أنني تسلمت خزانه الدولة فارغة"، كما أنه أشار في تصريح له الأسبوع الجاري إلى أن "معالجة التضخم تأتي في مقدمة أولويات موازنة 2014"، مما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والمالية والتي قادت إيران إلى تقديم تنازلات في محادثاتها في جنيف مع مجموعة 5+1 لإلغاء العقوبات أو تخفيفها، كمرحلة أولى. لقد أعرب ثلثا الإيرانيين في استفتاء لمؤسسة زغبي الأمريكية من أن همهم الأول يكمن في تحسين مستوياتهم المعيشية، ثم تأتي من بعدها بقية القضايا الخاصة بالتخصيب النووي والتجاذبات الإقليمية، كالأوضاع في لبنان وسوريا والتكاليف الباهظة التي تحملتها إيران هناك. ما يهم إدارة روحاني في الوقت الحاضر، هو إلغاء العقوبات لإنقاذ الاقتصاد والنظام على حد سواء، إذ ربما تلغى العقوبات في نهاية الأمر، إلا أن القضية الأساسية لا تقف عند هذا الأمر، وإنما في ضياع سنوات طويلة من التنمية وخسارة مليارات من الدولارات في سبيل الجري وراء سراب يسمى البرنامج النووي العسكري والذي لم يخدم قضايا التنمية في أية دولة في العالم قبل إيران. عندما ينظر الرئيس روحاني عشر سنوات للوراء سيرى أن بلاده تأخرت كثيرا عن اللحاق بركب الاقتصاد العالمي وأن إدارته الجديدة أو من سيأتي بعدها بحاجة لسنوات طويلة لإصلاح الخلل الاقتصادي والمالي الذي تسببت فيه إدارة سلفه، حيث تتطلب عملية الإصلاح، أولا إصلاح العلاقات مع شركاء إيران الاقتصاديين، بما فيهم دول مجلس التعاون والتي زودت إيران ولعقود طويلة بالكثير من احتياجاتها من خلال تجارة إعادة التصدير وانتقال رؤوس الأموال واستقبال الأيدي العاملة الإيرانية، كما شكلت إيران معلما سياحيا لمواطني الخليج، وهو ما عاد بالفائدة على الطرفين. لذلك، فإن إيران ليست بحاجة فقط لاتفاق جنيف، وإنما بحاجة ماسة لسياسة اقتصادية برغماتية تعيد ترميم علاقاتها مع شركائها السابقين وتسخر ثروات البلاد الهائلة للتنمية ورفع مستويات الناس المعيشية، فالتجارب التاريخية السابقة بينت وبوضوح فشل أدلجة الاقتصاد، ابتداء من بلدان المعسكر الشرقي السابق وليس انتهاء بكوريا الشمالية. في هذه الحالة فقط يمكن لإدارة روحاني أن تضع قطار التنمية في إيران من جديد على السكة الصحيحة، خصوصا وأن توجهاته الجديدة لقيت ترحيبا كبيرا من كافة الأطراف الفاعلة في المنطقة، بما فيها دول مجلس التعاون التي تشارك إيران بحيرة الخليج العربي التي هي بحاجة للتنمية والتعاون الإقليمي للحفاظ عليها من التوترات والأضرار البيئية المتزايدة والتي تؤثر سلبا على التنمية المستدامة في بلدان المنطقة.