14 سبتمبر 2025
تسجيلتسود أعمال المصارف في العديد من بلدان الخليج أجواء من الفوضى بسبب الكم الهائل من الرسوم والاقتطاعات التي يتم تحصيلها، وذلك في محاولة لزيادة إيرادات البنوك والتي انخفضت نتيجة لتداعيات الأزمة المالية العالمية وما سببته من تراجع في عائدات وأرباح البنوك، سواء بفقدان جزء من أصولها أو بسبب المخصصات الكبيرة لتجنيب قروضها المتعثرة. ونتيجة لحالة عدم الرضا التي تمخضت عن هذه الرسوم المبالغ فيها والتي لا تعتمد على أسس قانونية أو مهنية، فقد اتجهت الأنظار للمصارف المركزية، باعتباره الجهة المنظمة لعمل البنوك والمؤسسات المالية، إلا أن بعض هذه المصارف نأت بنفسها معتبرة أن ذلك يدخل في نطاق حرية السوق! علما بأن هذه الرسوم لا علاقة لها من قريب أو بعيد بمفهوم حرية السوق والتي تتمحور حول منع الاحتكار وتوفير الظروف المتكافئة للمنافسة الحرة في نطاق القوانين والأنظمة التي تسير عمل المنظومة الاقتصادية. ويبدو أن هذه الرسوم قد خرجت عن هذا المفهوم، مما يستدعي تدخل الجهة المسؤولة عن الإشراف على عمل البنوك والمؤسسات المالية، فالقسم الخامس في مادته الثانية من قانون أحد المصارف المركزية تنص على أن "للمصرف أن يزود المصارف بالتعليمات أو التوصيات التي يراها محققة لسياساته الائتمانية والنقدية، وله أن يتخذ التدابير وأن يستخدم الوسائل التي من شأنها تأمين سير العمل المصرفي على وجه سليم"، إذ تشير هذه القضية إلى أن هناك خلل يشوب عمل المصارف التجارية بسبب رسوم الخدمات التي لا تحدها حدود، مما سيسيء إلى سمعة النظام المصرفي ككل، وبالتالي إلى الأوضاع الاقتصادية ويقلل من جذب الاستثمارات. وهذه ليست المرة الأولى التي تفسر فيها الأمور بصورة غير صحيحة بحرية الأسواق، فقبل عامين حدثت مضاربات قوية ومضرة على العملات المحلية بسبب شائعات حول فك ارتباطها بالدولار، مما أدى بمكاتب الصيرفة إلى تحقيق أرباح طائلة، في الوقت الذي تم فيه تثبيت المصرف لأسعار الصرف طوال العقدين الماضيين تقريبا، مما أسهم في دعم واستقرار الأوضاع الاقتصادية. في ذلك الوقت تطلب الأمر تدخلا مباشرا من المصارف المركزية لحماية العملات المحلية من المضاربات الضارة، وذلك وفق البنود الخاصة بحماية ودعم النقد وتحقيق ثباته في الداخل والخارج، إلا أن المصارف المركزية لم تتدخل، مما أشاع نوعا من الفوضى في الأسواق. ومن غير المعروف متى ستتوقف عملية تصاعد هذه الرسوم أو ابتداع رسوم جديدة وبعضها مثير للضحك، ففي العديد من البلدان تمنح امتيازات كثيرة لمن يبلغ عامه الستين، وذلك تقديرا لعطائه وعمله، بما في ذلك تخفيضات كبيرة في أسعار الخدمات، أما المصارف المحلية، فقد طبقت بدعة فرضت من خلالها رسوم على حسابات الزبائن الذي تجاوزوا الستين عاما من العمر، علما بأنهم لا يحصلون على نفس الخدمات ولا يضيفون أية تكاليف على أعمال الخدمات التي يتلقونها. لقد أضرت الأزمة المالية بمعظم البنوك في العالم، مما تتطلب إعادة تقييم أداء هذه البنوك، حيث قامت بنوك عالمية عديدة بإعادة هيكلة أعمالها وتحملت إداراتها بشجاعة أخطائها السابقة، في حين لجأت بنوك أخرى إلى الحلول السهلة والتي تكمن في تحميل الزبائن الذين لا ذنب لهم مسؤولية تراجع أرباح هذه البنوك من خلال فرض رسوم لا أول لها ولا آخر. لذلك، فإن الأمر ذو جانبين، الأول يكمن في ضرورة تدخل المصارف المركزية من خلال إدارة الرقابة على البنوك، حيث يدخل ذلك في صميم اختصاصها وفق قانون، أما الجانب الآخر، فإنه يخص البنوك التجارية ذاتها، إذ أن تعويض الخسائر من خلال الرسوم، هو محاولة للهرب إلى الأمام، وهو إجراء مؤقت وضار، أما التوجه الصحيح، فإنه يكمن في معرفة ومعالجة الأسباب التي أدت إلى الوقوع في أخطاء قاسية قبل وأثناء وبعد الأزمة، وبالأخص ما يمكن أن نسميه "بإسهال القروض" والذي كلف البنوك وما زال مليارات الدولارات. والحال، فإن فوضى الرسوم بحاجة لمعالجة سريعة وإلى تعاون من خلال ممارسة المصارف المركزية لصلاحيتها التي منحها القانون وأن تقوم بالتنسيق مع البنوك التجارية بتنظيم عملية الرسوم والاقتطاعات، والتي ربما تساهم في زيادة أرباح هذه البنوك على المدى القصير، إلا أنها ستلحق بها وبالأوضاع الاقتصادية ضررا بالغا على المدى البعيد.