17 سبتمبر 2025

تسجيل

الكتاب.. بين مطرقة الكم وسندان الكيف

02 يناير 2011

إلى عهد قريب لم يكن ظهور الكتاب بالأمر الهين، بل كان في ذلك خرط القتاد، وكانت حواضر الثقافة العربية معدودة، حتى كادت تنحصر في ثلاث عواصم هي القاهرة وبيروت وبغداد، لذلك كان يقال: إن الكتاب العربي يؤلف في القاهرة ويطبع في بيروت ويقرأ في بغداد، أما في الدول ذات الوفرة الاقتصادية فإنه يستعمل ضمن ادوات الديكور! هذا الأمر كان في الماضي، قبل الطغيان الملحوظ لإصدارات الكتب في السنوات الأخيرة، حيث أصبح صدور الكتاب ذا كثافة واضحة، في كل العواصم العربية، إن لم نقل في كل المدن العربية، بسبب انتشار المطابع وارتفاع نسبة التعليم، وإقبال الناس على القراءة الحرة، رغم المنافسة الشديدة التي يلاقيها الكتاب من مصادر المعرفة الأخرى، وهي مصادر لم تستطع القضاء عليه حتى وإن استطاعت زحزحته قليلا عن عرشه، لأن مصادر المعرفة الأخرى تقتصر في أغلبها على استحضار المعلومات وتعجز عن نقل الإبداع الأدبي كما ينقله الكتاب، وما يصاحب قراءته من طقوس خاصة، تتيح للقارئ التأمل والمشاركة في كتابة النص الإبداعي.. وفق عوامل عديدة أهمها مرجعيته الثقافية، وظروف وملابسات وأسباب القراءة ذاتها مكانا وزمانا، ويمكن القول وباطمئنان إن وسائل التقنية التي كان يخشى على الكتاب منها قد أسهمت في الترويج للكتاب وانتشاره من خلال تزويد القراء بأخبار آخر الإصدارات، وسيجد المتصفح للإنترنت كتبا ربما لا يجدها في المكتبات العامة التي تعود على ارتيادها، ونتيجة لذلك حقق الكتاب حضورا وانتشارا لم يعرفهما من قبل، خاصة بعد أن أصبحت الإصدارات أكثر من أن تعد أو تحصى، نتيجة وفرة الإصدارات التي تطبعها المؤسسات الرسمية الثقافية، والمرتبطة بالمناسبات الثقافية المختلفة، لتشتد بذلك وتيرة (ماراثون) الإصدارات وفي كل المجالات. لكن هل هذه الكثرة والانتشار حققا اهداف التثقيف والمتعة.. دائما؟ هذا السؤال يمكن الإجابة عنه بنعم إذا أحسن المتلقي اختيار الكتاب المناسب، لأن كثرة الإصدارات أصبحت أكبر من أن يتابعها القارئ الذي يسعى وراء المعرفة والمتعة، فقد أصبحت بعض الإصدرات كغثاء السيل، لا تفيد إن لم تضر من يتعاطاها، وأصبح البحث عن الكتاب الجيد كالبحث عن الإبرة في كومة قش، فبعضهم يريد أن يطبع كتابا متوجا باسمه وحسب، وبعضهم يريد أن يزاحم في سوق الكتاب بمنتجه المتواضع، وبعضهم لا يعنيه حتى تسويق الكتاب ويكتفي بصدوره وتوزيعه هدايا على الأصدقاء، حتى غلب الكم على الكيف، وأصبحت دور النشر ولأسباب غير موضوعية.. تحرص على تسويق الكتاب الذي يقبل عليه الناس بصرف النظر عن قيمته الأدبية أو الفكرية، وهذه الغلبة للكم على الكيف أثرت تأثيرا سلبيا على ظهور الكتاب الجاد الرصين والمتوافر على المتعة الذهنية والفكرية والإبداع الجميل. إن كثرة الغث أدت إلى تراجع السمين، حينما استطاعت أن تستولي على جزء من الميزانية التي قد يخصصها بعض المهتمين بالثقافة لشراء الكتب، وهي بهذا المعنى تصبح عبئا اقتصاديا على ميزانية الأسرة، دون مردود ثقافي منتظر من اقتنائها، وكل ذلك يأتي على حساب أمور أخرى يفترض ان تتوافر للأسرة التي تعودت على اقتطاع جزء من ميزانيتها للثقافة وتحديدا شراء الكتب والدوريات من صحف ومجلات وغيرها، وإن كان هذا التخطيط لميزانية الأسرة امرا لم تعرفه بعد معظم الأسر العربية، لكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن ما يصرف على الشأن الثقافي لدى الأسرة العربية هو جزء من ميزانيتها وإن كان ضئيلا. نحن كثيرا ما نطالب بترشيد الاستهلاك للماء والكهرباء وترشيد الإنفاق على المواد الكمالية، وقد آن الأوان لنطالب بترشيد إصدارات الكتب.. خاصة تلك التي لا تساوي قيمة الورق الذي تطبع عليه، على أن تمتنع دور النشر عن طباعة وتوزيع الكتب الهزيلة في مادتها، وفي طرحها، وفي هدفها، كما أن على القارئ الانصراف عنها لما هو أنفع وأجدى وأكثر متعة وإثراء لثقافته العامة، وإذا كان من الصعب السيطرة على الإصدارات من الجهات الرقابية، باعتبار أن الرقابة الرسمية غير مطلوبة على الكتب، فإن على القارئ ان يكون رقيبا صارما على نفسه، فلا يختار سوى الكتب ذات الفائدة والمتعة الذهنية، التي تضيف إليه جديدا، وتثري معلوماته، وتطور ذاته. [email protected]