14 سبتمبر 2025
تسجيلالمتتبع للمشهد الإعلامي هذه الأيام في مختلف وسائل الإعلام الأجنبية يلاحظ بأن الكثير من الوسائل المكتوبة والإلكترونية والسمعية البصرية تمارس في حملات إعلامية دعائية مبرمجة ضد دولة قطر، محاولة منها تشويه صورة قطر لدى الرأي العام العالمي، وقد اعتمدت على حجج وبراهين واهية وكاذبة لأجل تمرير قصص خرافية عن تنظيم قطر لكأس العالم 2022، ورغم كل هذه الحملات الدعائية والشائعات التي استخدمها الإعلام الأجنبي لأجل افشال العرس العالمي، إلا أن دولة قطر قطعت شوطا كبيرا في تنظيم مونديال عالمي خرافي قد لا يتكرر في أي دولة عالمية في المستقبل، لأن قطر جمعت ما لا يمكن جمعه في البطولات القادمة، حيث يمكن للمشجعين مشاهدة مباريات عدة في نفس اليوم، كما أتاحت لهم دولة قطر التنقل عبر الميترو والحافلات بشكل مجاني، إلى جانب تخصيص مساحات كبيرة لمشاهدة المباريات خارج الملاعب، وأيضا تخصيص عدد كبير من المنشآت والفنادق والحدائق لأجل الترفيه والتسلية، كما برمجت تظاهرات ثقافية متنوعة في مختلف مناطق الدوحة. لقد أظهر الإعلام الأجنبي في العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا والدانمارك والسويد وغيرها من الدول حقدا دفينا اتجاه العرب والمسلمين منذ فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022، حيث استغلت العديد من الوسائل الإعلام الأجنبية هذا الحدث الرياضي العالمي لأجل تداول قصص إخبارية كاذبة وعارية من الصدق والدقة والموضوعية، كما أن هذه الوسائل غرقت في التحيز وتشويه الحقيقة، وهذا ما يجرنا للحديث في هذا المقال عن أخلاقيات الممارسة الإعلامية التي يدعيها الغرب منذ عقود من الزمن، فلو عدنا قليلا إلى الحقب التاريخية الماضية لوجدنا بأن وسائل الإعلام الأجنبية سواء في أوروبا أو أمريكا دخلت في صراعات كبيرة مع الأنظمة الحاكمة لمدة تجاوزت قرنين من الزمن لأجل نيل حرية التعبير والرأي والدفاع عن حقوق الشعب، وقد حققت أهدافا كثيرة في مسارها ونضالها الإعلامي، ولكن المتأمل في الحقب الزمانية التي جاءت بعد نضالها يدرك بأن وسائل الإعلام في أمريكا وأوروبا استغلت حرية التعبير والصحافة لأجل انتهاك خصوصيات الآخرين، وأيضا انحرفت عن مبدأ الخدمة العامة، وحق الجمهور في المعرفة الصحيحة، والالتزام بالقيم الإخبارية في معالجة الأخبار، وهذا ما أدى إلى ظهور ما يسمى بنظرية المسؤولية الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية وبعدها انتشرت في أوروبا وباقي دول العالم، فهذه الأخيرة جاءت لأجل تصحيح مبادئ وقواعد النظرية الليبرالية التي غرقت في التحيز وانتهاك حرية الأفراد والمؤسسات والجماعات، ولهذا انطلقت نظرية المسؤولية الاجتماعية من مجموعة من المبادئ والمعايير التي يجب على الممارسين في مختلف وسائل الإعلام العالمية مراعاتها في نقل الحقيقة للرأي العام العالمي، ولكن لو انطلقنا من معالجة وسائل الإعلام الأجنبية لقضية تنظيم كأس العالم في قطر، نلاحظ بأن مبادئ الدقة والأمانة والموضوعية والحيادية واحترام الضمير المهني، والحرص على الحصول على الحقيقة من مصادرها الموثوقة غائبة كلية في أغلب التناول الإعلامي لقضايا المونديال في الصحافة الأجنبية، فهذه الوسائل الإعلامية بمختلف أطيافها وأشكالها غرقت في الاتهامات وتشويه الحقائق، واستقبال ضيوف لا علاقة لهم بالمباريات الرياضية واستغلال الحدث لأجل تمرير رسائل مشوهة للرأي العام العالمي. فعندما تقرأ وتتصفح الصحف وتشاهد القنوات الفرنسية والسويدية والدنماركية والبريطانية تصل في نهاية المطاف إلى أن هذا الإعلام لا تهمه المسؤولية الاجتماعية والضمير المهني، وحق الجمهور العالمي في معرفة الحقيقة، لأن همه الوحيد خدمة مصالح مجموعة من رجال الأعمال الذين يعلمون بمختلف الطرق الشرعية وغير الشرعية لأجل تحقيق مصالحهم وأهدافهم من وراء هذه الحملات الدعائية المكثفة على دولة قطر المنظمة لكأس العالم، ولم تتوقف حملتهم الدعائية حتى بعد كشف الحقيقة لهم من أرض الدوحة، وهذا ما يبين بأن هذه الوسائل الإعلامية تعمل عكس متطلبات جمهورها، فلم تكلف نفسها حتى التنقل إلى قطر لأجل نقل الحقائق من أرض الواقع والتحقق مما تنشره من مصادر مجهولة أو مصادر مشكوك في أمرها، وهذا يعتبر تعديا صارخا على المبادئ التي جاءت بها نظرية المسؤولية الاجتماعية، لأن خدمة المجتمع وكسب ثقته تبدأ من ضرورة التحري عن صدق المعلومات والتثبت منها قبل نشرها في الصحافة المكتوبة أو بثها عبر الشاشات للجمهور، ولكن هذه الوسائل تعمل عكس التيار، وغايتها محاولة التشكيك في التنظيم المحكم لكأس العالم، أو محاولة تقديم صورة سلبية عن قطر بأنها فشلت في تنظيم هذه التظاهرة العالمية، بالإضافة إلى أن هذه الوسائل اهملت عنصرا مهما للغاية في تقديم محتوياتها للجمهور، ويتمثل في غياب النقاد والخبراء الذين لهم دور محوري في تمحيص وتدقيق المعلومات قبل نشرها في وسائل الإعلام، وهذا الشيء جعلهم ينقلون للرأي العام العالمي أي معلومة حتى ولو كانت مجرد شائعات أو أكاذيب أو سيناريوهات تم فبركتها من جهات تعمل وفقا لأجندة هذه الوسائل. لقد كشف مونديال قطر بأن الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية لم تعد تهتم بالمبادئ والقواعد والأخلاقيات التي ناضلت لأجلها قرون من الزمن، وحتى تلك النظريات والمقاربات التي تم تنظيرها لأجل تنظيم الممارسة الإعلامية تم التمرد عليها، فلم تعد الحقيقة تهم حراس البوابات الإعلامية سواء في الصحافة المكتوبة أو في القنوات الفضائية والإعلام الرقمي، وإنما هدفهم تحقيق مصالحهم وأهدافهم التي تم وضعها ضمن خطط لإفشال العرس الكروي التي تنظمه دولة قطر، فلم تعد دقة المصادر والموضوعية والشفافية والأمانة والتوازن في الطرح والحيادية وحق الرد والتصحيح والتثبت مما ينشر، والسهر على خدمة المجتمع وكسب ثقته، كل هذه القيم والمبادئ سقطت في معالجة هذه الوسائل لمونديال قطر 2022. وبهذا يمكن القول ان الإعلام الأجنبي بمختلف وسائله انكشفت حقيقته في التعامل مع القضايا والملفات العالمية، فكلما كانت له أهداف ومصالح في تلك البيئة إلا واجتهد في إظهار الأمور الإيجابية وتغطية السلبيات، فلا تهمه أخلاقيات الممارسة الإعلامية، ولا يهمه الجمهور المتابع لهذه الوسائل، ولكن على أرض قطر يوجد الملايين من المشجعين الذين عرفوا الحقيقة التي تحاول هذه الوسائل تغطيتها وتقديمها في قوالب جاهزة للرأي العام العالمي بما يخدم خطها الافتتاحي ورجال الأعمال والمال والسياسة.