11 سبتمبر 2025
تسجيلالرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصية "كارزمية" بامتياز، فهو سياسي وخطيب مفوه، ومتحدث بارع، ومتدين ورع، ومفاوض محترف، ومناور لا يشق له غبار، وهذا يعني أنه يمتلك كل مقومات الزعامة والقيادة، التي تجعل منه زعيما وليس رئيسا فقط، وقائدا كبيرا يلاعب الكبار. أردوغان ليس رجلا عابرا في حفر اسمه عميقا في التاريخ إلى جانب العظماء رغم أن مهمته لم تنته بعد، ورغم أن الحاضر يمسك بتلابيبه، فهذا الرجل الفذ، نقل تركيا من الإفلاس إلى البحبوحة، ومن الضعف إلى القوة، ومن "التسول" على أبواب صندوق النقد الدولي إلى الوفرة، ومن تعاسة البنية التحتية والخدمات والفساد، إلى سعادة الفخر أن تكون تركيا، أو حتى ضيفا زائرا في تركيا.صحيح أن الجانب الاقتصادي مهم، وهو ما يسجل للرئيس أردوغان منذ كان رئيسا لبلدية إسطنبول، المدينة التي يشتهيها العالم، ورئيسا للوزراء إلى أن أصبح رئيسا لكل الأتراك، لكنه تجاوز ذلك إلى ما هو أهم وأخطر، فقد دفع الأتراك إلى اكتشاف هويتهم من جديد، الهوية التركية الإسلامية الخالصة، منذ أن صدح بالشعر الذي يقول: "مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا، هذا هو الجيش المقدس، يحرس ديننا"، أثناء خطاب جماهيري عام 1988، فما كان من النظام الحاكم في حينها إلا أن اتهم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية وتسبب ذلك في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة، لكن الزمن تغير وانقلبت الأمور، ليتحول أردوغان إلى أهم رجل يقود تركيا ويؤثر فيها منذ مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك.وفي الوقت الذي اختار فيه أتاتورك "تشليح" تركيا من هويتها الإسلامية وتاريخها، ويلغي الكتابة بالحروف العربية، فإذا بهذا القائد الفذ، أردوغان، يعكس ساعة الزمن لتسير في الاتجاه المعاكس لهذا الخط المعادي للهوية الإسلامية، فأعاد الاعتبار للمسجد والحجاب والتعليم الديني، وأقنع الأتراك، أن الشعب الذي لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل، وأعاد تعليم اللغة التركية العثمانية واللغة العربية في المدارس، وهذا هو التعبير الأفضل والأقوى لعظمة هذا القائد الذي يبني الهوية التركية الإسلامية الجديدة، في مسعى لإعادة اكتشاف الذات، وربما هذا ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القول إن أردوغان يسعى "لأسلمة" تركيا، وكان تركيا بلدا "كافرا" أو أنه يبشر بالإسلام في أرض قاحلة من العقيدة، كما فعلت الكنائس التبشيرية في إفريقيا، ونسي بوتين أن الغالبية العظمى من الشعب التركي مسلمون، وهذا ما جعل من أردوغان هدفا لوسائل الإعلام "العالمية" ووكالات الأنباء التي تخلت عن مهنيتها في التعامل مع أخباره وأخبار حزبه، لأنه رفض أن يجعل من تركيا "جمهورية موز" تابعة لهذا الطرف أو ذاك.ما يميز أردوغان هو ذلك الشعور الكبير بالكرامة والزهو والاعتزاز بهويته، وفضلا عن ذلك فهو زعيم يهوى "الثورة على القواعد التقليدية"، والانتفاض ضد السكون ويجيد "دوزان" الأشياء، لتحط بردا وسلاما في قلوب الأتراك والمسلمين، وهذا ما جعله محط أنظار العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم، ويكفي أن العرب والمسلمين تعاملوا مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا وكأنها شأن محلي في كل دولة، وغرقت مواقع التواصل العربية في التعليقات والصور والمتابعات، بطريقة لا تحظى بها أي انتخابات في العالم العربي منذ الانتخابات التي أتت بالرئيس الدكتور الأسير محمد مرسي إلى السلطة عقب ثورة يناير، والذي أطاح به انقلاب عسكري نفذه عبد الفتاح السيسي.أردوغان يحط اليوم ضيفا كريما في الدوحة بين أهله وإخوانه، لتكريس علاقات المحبة والمودة والأخوة، ومنح العلاقات القطرية التركية نكهة إضافية تشهد على الازدهار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإستراتيجي، وربما كان أفضل تعبير أن القائد أردوغان يصحب وفدا رفيع المستوى يضم وزراء الداخلية والتعليم والمالية والبيئة والدفاع والمواصلات والنقل والثقافة والسياحة والاقتصاد، يعني نصف الحكومة التركية، وهو تأكيد على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، التي نتمنى أن تتحول إلى حالة شعبية إستراتيجية، عربية تركية، وليست رسمية فقط.