16 سبتمبر 2025
تسجيلبرزت من خلال معرض دبي للطيران في هذا العام بعض المستجدات في عالم صناعة الطيران، تلك المستجدات التي لا يمكن إغفالها والتي ستؤثر في مستقبل النقل الجوي وإعادة توزيع موازين القوى ومراكز خطوط الطيران الإقليمية والدولية. أول هذه المستجدات يكمن في الدور المتزايد الأهمية لشركات الطيران الخليجية، وبالأخص الإمارات والاتحاد والقطرية والتي استحوذت على أكثر من 80% من الصفقات وبعدد تجاوز 610 طائرات بقيمة 280 مليار دولار توزعت بين عمليات شراء وتعهدات مستقبلية بالشراء، منها 510 طائرات للشركات الإماراتية لتشكل بذلك واحدة من أكبر صفقات بيع الطائرات في المعارض الدولية ولتمنح معرض دبي أهمية إضافية. أما المستجد الآخر؛ فإنه يتعلق بمستقبل مراكز خطوط الطيران والذي بدأ في الانتقال من أوروبا إلى منطقة الخليج التي تتزايد فيها خطوط الطيران التي تربط الجهات الأربع للكرة الأرضية معززة موقعها بالطائرات بعيدة المدى مع تخفيضات كبيرة نسبيا في عمليات التشغيل واستهلاك الوقود. من هنا، فإن الانتقال من الأمريكتين إلى آسيا وإفريقيا يمر وبصورة متزايدة من خلال المركز الجديد للنقل الجوي في منطقة الخليج العربي والذي يقدم خدمات راقية وأسعار تنافسية، حيث يتوقع أن يتم افتتاح المزيد من الخطوط مع الأميركيتين والبلدان الآسيوية، بما فيها آسيا الوسطى والبلدان الإفريقية، خصوصا وأن بعض الشركات الآسيوية، كطيران سنغافورة قد أوقفت خطوطها المباشرة بين سنغافورة – نيويورك، كما أنها بصدد وقف الخط الآخر سنغافورة – لوس أنجلوس. ويتمحور المستجد الثالث في العلاقة ما بين الشركات المصنعة، وبالأخص الايرباص الأوروبية والبوينج الأمريكية وشركات الطيران الخليجية الثلاث حول تجذر المصالح المتبادلة، فبعد أن كانت شركتا التصنيع تعتمد بصورة أساسية في مبيعاتها وتطورها على الشركات الغربية، فإن مستقبلها أخذ يعتمد بصورة متزايدة على مبيعاتها للشركات الخليجية سريعة النمو، بحيث أضحى من الصعوبة بمكان تصور نجاح الإنتاج الجديد من الطائرات الحديثة وتغطية تكاليف إنتاجها دون التعاون مع الشركات الخليجية، حيث برز ذلك بصورة جلية في مشتريات طائرة الايرباص الضخمة 380. وبدلا من الانتقاد السابق للشركات المحلية من قبل مثيلاتها الأوروبية، فإن اللغة السائدة حاليا والتي فرضتها التغيرات على الأرض ترمي إلى زيادة التعاون والتنسيق بين الشركات المصنعة التي أدركت أهمية تعاونها مع الشركات الخليجية التي تستحوذ على جزء كبير من مشترياتها. ويتوقع أن يترتب على هذه المستجدات تغيرات مهمة في صناعة الطيران، فدول الخليج العربية سوف لن تكتف بلعب دور الزبون، بل إنها تسعى للمشاركة في اكتساب تقنيات الطيران، ربما ليس من خلال القيام بعمليات تصنيع كاملة في الوقت الحاضر، كما هو الحال في الصين والتي بدأت في إنتاج بعض طائرات الايرباص، وإنما من خلال قيام صناعات أجزاء من مكونات الطائرات لشركتي ايرباص وبوينج، كما هو الحال في دولة الإمارات وتدريب المواطنين والعاملين المحليين على تطوير مهاراتهم وخبراتهم في الصناعات الجوية. ونظرا لهذه الشراكة الإستراتيجية، فإن توفر رؤوس الأموال والنمو السريع لحركة النقل الجوي في منطقة الخليج العربي سوف يدفع باتجاه تطور صناعة الطيران في المنطقة من خلال إقامة المزيد من الصناعات المكملة وتصديرها للشركات الأم في الولايات المتحدة وأوروبا. إذن تقف صناعة الطيران الدولية أمام شراكات جديدة ومفيدة للأطراف المنضوية تحتها، كما أن الشركات الخليجية أصبحت لاعبا رئيسيا في المساهمة في تطوير تقنيات الطيران وتسهيل حركة النقل الجوي، وذلك بفضل سياساتها الجريئة والمدروسة وبفضل استثمارها في البنية التحتية للنقل الجوي والتي تطورت بصورة سريعة في العقدين الماضيين لتتمكن من منافسة المراكز الأخرى في العالم. لذلك يتوقع أن يكون لهذه المستجدات تأثيرات إيجابية على صناعة الطائرات والنقل الجوي من جهة وعلى الاقتصادات الخليجية الساعية إلى تنويع مصادر الدخل من جهة أخرى.