10 سبتمبر 2025

تسجيل

عن إرهاب الدولة و «عولمة الإرهاب»: يا عزيزي كلهم لصوص!

01 نوفمبر 2023

الإبادة الجماعية الجارية في غزة هي أحقر دركات الإرهاب، أو هكذا يجب أن تصنف. لكن من يتفق معنا في هذا الوصف، ربما ليس الكثير. ولا عجب في ذلك، فحتى وقت قريب كانت مدارس العلوم السياسية في ما يسمى الغرب لم تتوصل إلى تعريف محدد للإرهاب، بصفة عامة وإرهاب الدولة بصفة خاصة. وحتى وقت قريب كانت الأمم المتحدة ماتزال عاجزة عن وضع تعريف للإرهاب ولا إرهاب الدولة. ولأن كل التعريفات المتاحة قاصرة ومسيسة يمكننا القول إن الإرهاب لا يقتصر على القتل بأي نوع من الأسلحة، وإنما يجب أن يشمل «التخويف والترهيب والاعتداء بأي شكل من دون وجه حق». هنا ستدخل أشياء كثيرة تحت هذا التوصيف، منها، التحكم في الإعلام. فنظرية التدفق الإعلامي من الغرب إلى الشرق، لم تتغير. مازال مصير كلب أو قط في أحد شوارع أمريكا أو أوروبا أهم من مصير ملايين البشر الأبرياء في غزة أو مثيلاتها. أيضا من الإرهاب حرمان الناس من إبداء الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي، وترهيبهم بعقوبات تتراوح بين وقف حساباتهم إلى التغريم وربما الاعتقال والسجن. ومن الإرهاب كل أشكال الترهيب الفكري وإجبار البشر على اتباع أفكار معينة أو العكس، فهذه سلطة لم يمنحها الخالق حتى للأنبياء. وعندما تكذب مراسلة قناة كبيرة (سي ان ان) ومراسلة صحيفة كبيرة (الاندبندنت)، وتقدم معلومات مفبركة يكون ذلك هو الإرهاب. وليس ذلك فحسب فعندما تكون وراء ذلك دولة بل دول، حينها يختلط الإرهاب الفردي مع إرهاب الدولة لتكوين هذا المشهد العبثي ويصبح الإرهاب إرهابا عالميا. كما سيتحتم أن يكون عدم احترام القوانين والقرارات الدولية، إرهابا بل قمة الإرهاب، لأن الإرهابي هنا هو دولة وليس مجرد فرد أو أفراد. كما أن الكيل بمعيارين يجب أيضا أن يكون نوعا من الإرهاب. فوسط «طوفان الكذب والتضليل وإخفاء الحقائق» بلغ من عهر النظام الدولي الأعور، الذي لا يكيل إلا بمكيالين، أن يعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابا، أما إجرام المستوطنين الغاصبين المسلحين فهو دفاع عن النفس. وإذا علمنا أن القانون الدولي لم يُحرّم الهجمات على المدنيين والمناطق الحضرية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، (لإدانة قصف ألماني على قرية غورينكا الإسبانية)، سندرك أن المشكلة، جزئيا، هي أن مصطلح الإرهاب من المصطلحات التي احتكر الغرب تعريفها مثلما احتكر كل شيء تقريبا في إطار العولمة. والسبب الأساسي بكل بساطة هو أن من يرعون الإرهاب في العالم هم المسؤولون عن تعريفه. وبكلمات أخرى، «حاميها حراميها». على أن فضيحة هذا النظام العالمي تتضح أكثر بتصريحات سياسيين أمريكيين وصهاينة بينهم يوسي ليبيد وزير (خارجية سابق للكيان) طالبوا فيها الإعلام بلا خجل بعدم قول الحقيقة ولا حتى عرض وجهتي النظر والاقتصار على الرواية الصهيونية فقط. فهم يحمون أنفسهم بمن فيهم ذلك الكيان لأن جميعهم يشتركون في جريمة واحدة مستمرة منذ بداية هذا النظام العالمي الذي سميته سابقا «نظام ويستفاليا». فكلهم لصوص أوطان وكلهم لصوص أرض ليست لهم، وكلهم لصوص أقوات شعوب مقهورة، وكلهم لصوص الماضي والحاضر والمستقبل. وهذا الكيان المحتل لفلسطين يمثل واسطة عقد السرقة التي سرقوها قديما، ولكن لأن أهل الحق لم يتركوه فقضيتهم لم تمت مثل قضية الهنود الحمر في أمريكا الشمالية أو استراليا أو نيوزيلندا وغيرها. وهم عندما يدافعون عن الكيان فإنهم يدافعون عن أنفسهم، لأنهم جميعا لصوص ومجرمون وكلهم أحفاد ابن سبأ وقبيله. رغم كل ذلك فإن ما يزيد الجراح ألما هو أن غياب تعريف واضح للإرهاب أو إرهاب الدولة يهون أمام ما يطلق عليه «البلطجة الدولية»، التي تمنع التوصل لذلك التعريف. تلك البلطجة التي كانت تتقاسمها مجموعة الدول التي شكلت «نظام ويستفاليا»، ثم انفردت بها أمريكا منذ زوال الاتحاد السوفيتي وتحاول التمسك بها الآن بكل شراسة مهما كان حجم الإجرام الذي تمارسه بتأييدها الأعمى للكيان. ويوضح ذلك الكاتب الصحفي الفرنسي فرانسوا لانغلي، معلقا على كتابه الأخير «كم من الوقت سيستغرق الأمر؟» بقوله إن وقوف الولايات المتحدة القوي مع الكيان سببه تراجع النفوذ الغربي عالميا بعد خمسة قرون من التوسع والهيمنة، وأن سقوط إسرائيل قد يعني سقوط الهيمنة الأمريكية تماما بعدما صفعتها الحرب الأوكرانية صفعة كبيرة، بإظهارها نهاية التفوق الغربي. الآن نفهم لماذا لا تسمى الإبادة الجماعية الجارية في غزة بالإرهاب ولا يوصف ما تفعله إسرائيل بإرهاب الدولة، لأنهم يريدون «عولمة الإرهاب».