20 أكتوبر 2025
تسجيلصيانة حقوق الإنسان في رزقه وعرضه وماله وأسرته وضمان سلامته البدنية والعقلية ما تزال تونس مستهدفة بالإرهاب الذي ضرب يوم الإثنين في قلب العاصمة صدمني كما صدم التوانسة برنامج (الحقائق الأربعة)، الذي بثته إحدى القنوات التلفزيونية الأسبوع الماضي، من إعداد الإعلامي المتميز حمزة البلومي. حيث اكتشف فيه الرأي العام باندهاش، مظالم من نوع غير مسبوق، لأن التونسي تعود منذ عقود على كل أصناف البلاوي الزرقاء، وما تزال بلادنا مستهدفة بالإرهاب الذي ضرب يوم الإثنين في قلب العاصمة، بسبب ما سماه رئيس الجمهورية فقدان الأولويات، وكنت سميته قبله بنفس الاسم في فيديو منذ شهر على قناة (هنا تونس) . لكن التوانسة اكتشفوا هذا النوع المبتكر من الظلم الذي يعتبر بدعة 2018، لأن البرنامج قدم للناس نماذج عجيبة من انتهاك الحريات والأرزاق، من خلال شهادات حية لمواطنين أبرياء، تمكن بعض أقاربهم أو شركاؤهم من اتهامهم بعدم الأهلية العقلية في التصرف في أملاكهم، وذلك بواسطة توظيف مصحة خاصة قبضت الرشاوى، فأمضى طبيبها (الذي سبق أن أدى اليمين !) على شهادة تفيد بعدم أهلية الضحية، وطالب المحكمة بالحجر عليه (الحجر مصطلح قانوني معروف لكن استعماله نادر جدا وهو إحالة رزق الشخص وماله إلى ذويه أو شركائه)، ولكن في تونس اليوم يستولي على أموال الضحية دافعو الرشوة، ممن يريدون وضع اليد على مدخرات الرجل، بسبب طلاقه من زوجته، أو بسبب اتفاق أبنائه أو شركائه على سلبه، وهم عاقون ومنحرفون ! . ثم يروي الضحايا في البرنامج التلفزيوني قصصا لا تكاد تصدق، لكنها الحق حين قالوا إن الطبيب المرتشي اتصل بهم، ودعاهم إلى العيادة، وهم غافلون، وحقنهم بمواد كيماوية مجهولة، أصابتهم بما يشبه الدوار مع فقدان الذاكرة، ثم أذن بعلاجهم في المصحة الخاصة، (أي المستفيدة ماليا) أو في مستشفى الرازي قسرا، ثم تزكي إحدى المحاكم هذه الشهادة لإعطائها صبغة قانونية شرعية قضائية !! فأين أنت سيدي وكيل الجمهورية العام؟ وأين أنت سيدي وزير العدل؟ ويا أعضاء المجلس الأعلى للقضاء؟ ويا نواب الشعب؟ وهل أتاك حديث الضحايا سيدي عميد الأطباء، وسيدي الكاتب العام لنقابة المصحات الخاصة ؟ وتبدأ رحلة العذاب والنهب المنظم لأملاك الضحية وبالقانون وبحكم محكمة !....يا بوقلب ! فالنهب يمكن أن يتحمله المرء رغم ظلمه، لكن الأسوأ هو قتل الضحية المبرمج بالحقن الكيماوي إلى أن يفقد عقله وماله، وهو المواطن الذي لم تظهر عليه طوال حياته العائلية أو المهنية أي مؤشرات تثبت إخلاله بالسلوك العقلي المنضبط ! وهو ما يسبب اندهاشي من غفلة بعض السادة القضاة الذين ينتشرون في المحاكم، ربما عن حسن نية وتبعا لتصريحات كاذبة واتهامات باطلة من متحيل مشتكٍ، غايته لهف أموال حرام، وخاصة إذا كان هذا المشتكي من أصحاب السوابق في السرقة، وعدم الأمانة، وابتزاز طاعنين في السن، وقضاياه منشورة، ومحكوم فيها بالسجن في عدة بلدان. وهو ما سأكشفه في ملف من هذا النوع أعرفه جيدا ولدي مستنداته ووثائقه !!! والمشتكى بحقهم صحائفهم ناصعة، وقاماتهم عالية، وسمعتهم لا طعن فيها ؟ إنه خراب العدل، وبداية انهيار الدولة، وحلول عصر تونسي جديد يتميز بقطيعة كاملة بين الشعب التونسي، وبين النخب المتلهفة على الكراسي، كما قال الرئيس السبسي يوم الإثنين معلقا على التفجير الإرهابي، فوجدت تونس نفسها أمام أكبر مصيبة تهدد الأبرياء بالجنون والنهب والسلب، على شاكلة ما يسمى (الغولاغ السوفييتي) الذي ابتكره (ستالين) للقضاء المهين على خصومه ومعارضيه، فيتم جلبهم لا للجلاد، ولا لشرطة أمن الدولة، بل للطبيب «ببلوزته» البيضاء، وحقنته الجاهزة، وهو الذي يعلن فقدان الرجل لمداركه العقلية، ثم يُرحل المسكين (للعلاج) في ثلوج سيبيريا. وأشهر ضحايا هذه المهزلة الستالينية هو الكاتب الروائي العملاق (ألكسندر سولجنتسين)، الحاصل على جائزة نوبل للآداب، والذي تم (الحجر عليه) و(علاجه من لوثة المعارضة)، وبعده في عهد (بريجنيف) المفكر (ساخاروف) الحاصل أيضا على جائزة نوبل . أما في تونس «الحداثية الديمقراطية» حسب تصريحات حكامها ومعارضيها، فيبدأ مسلسل الحجر على أموال الضحية المستهدف، بتجميد حساباته البنكية، وتغيير ملكية منزله وعقاراته في سجل الملكية العقارية، بإذن من إحدى المحاكم ثم يُرحل المسكين (للعلاج)، أي في الحقيقة للتخدير والتسميم! وهي جريمة بكل المقاييس سوف أفضح مرتكبيها بنموذج مأساوي ! هل هذه تونس التي عشنا فيها وخدمناها بما أصبنا، وما أخطأنا، وتضافرت فيها جهود أجيال بغاية تحقيق أولى غايات الدستور وأنبلها؟ ، أي صيانة حقوق الإنسان في رزقه وعرضه وماله وأسرته، وضمان سلامته البدنية والعقلية، وتمتعه بالحياة في كنف دولة قوية عادلة ؟