29 أكتوبر 2025

تسجيل

معركة المصير الإيراني الكبرى في العراق

01 نوفمبر 2014

لم يكن الظهور المتكرر والمتعمد لجنرالات فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني أمام وسائل الإعلام العراقية والدولية، وعلى رأسهم الجنرال الغامض الشهير قاسم سليماني قمي أمرا عاديا! كما لم يكن تسريب الروايات الحكومية العراقية حول أدوار تخطيط واستشارة عسكرية للعديد من جنرالات مؤسسة الحرس الثوري من الذين خاضوا صفحات الحرب الطويلة ضد العراق ( 1980/1988) أمرا غير مقصود! بل أن الهدف المركزي كان واضحا منذ البداية وهو توجيه رسالة إيرانية صارمة وحاسمة للتحالف الغربي بأن أوراق العراق الداخلية لم تعد حكرا لدوائر صنع القرار في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وبروكسل، بل أن طهران باتت ومنذ عام 2003 تحديدا وتبدل نمط هيكلية وشكل وتشكيل مؤسسات السلطة قد أضحت هي العامل الأكبر في تشكيل ورسم الصورة والتصورات وكذلك التطورات الميدانية في العراق، هذا البلد العربي المنكوب والذي كان في مرحلة انطلاقة العمل القومي في منتصف القرن الماضي بمثابة بؤرة نشاط وتجدد وتألق ثقافي وسياسي وكان يصفه بعض القوميين العرب بمثابة (بروسيا الشرق)! أي أنه يتحمل دور القائد في لم شتات وشعث العرب، تحول اليوم وبعد تجارب انقلابية وحروب عنيفة وتراجع قيمي وثقافي لمستوطنة طائفية متخلفة ولحديقة خلفية تنمو فيها كل الطحالب الإيرانية السامة والمتوحشة التي عفرت وجه العراق العربي وأنتجت أجيالا من الشباب العراقي الطائفي الغريب عن عراقيته وعروبته، فبعد انهيار المؤسسة العسكرية العراقية بفعل الاحتلال الأمريكي عام 2003 جاء البناء الجديد مشوها هجينا ومريضا بقيادة زمر من الفاشلين والمتأزمين أيام المعارضة الطهرانية والدمشقية، وفشلت كل حملات الترقيع لإحياء وطن كان في يوم ما مفخرة للعرب قبل أن يجور عليه وعلى شعبه الزمان! العراق اليوم وبعد انهيار الصيف الماضي وتحلل المؤسسة العسكرية العراقية أضحى ساحة ميدانية لاستعراض القدرات العسكرية الإيرانية، وتحولت مدنه وقراه لساحات معارك شرسة بين قيادات النخبة في الحرس الجمهوري العراقي السابق والتي هي من تقود وتخطط للجماعات المسلحة وبين قيادات الحرس الثوري الإيراني الذين يبحثون عن الثأر لهزيمتهم الكبرى وتجرعهم كأس السم صيف عام 1988 بعد أن أجبروا على إيقاف الحرب ضد العراق دون تحقيق شرطهم وحلمهم الأكبر وهو إقامة جمهورية الولي الفقيه الطائفية في العراق.. فالجنرال سليماني بات يتحدى علنا كل وسائل الإعلام الدولية ويصرح بتصريحات صادمة حول مقدرة قواته في العراق وعلى عدم سماحهم بتغيير التركيبة السياسية سواء في دمشق أو بغداد حتى تحول ذلك الجنرال بمثابة أمير أمراء الحرب في الشام والعراق والرئيس الفعلي لجمهورية العراق! والمتصرف الأكبر في شؤونه الإستراتيجية، والقائد الذي يرسم خطط وتكتيكات العمليات للقاتلين العراقيين التابعين له وهم أصلا من أعضاء المنظمات العسكرية الطائفية العراقية كبدر والعصائب وكتائب حزب الله وكذلك ما يسمى بسرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر! والتي يريد الإيرانيون تحويلها كقواعد أولى لمؤسسة الحرس الثوري العراقي التي ستتفوق في قدراتها على الجيش العراقي الرسمي وهو مشروع إيراني طموح لأنه يصب أساسا في خدمة مخطط الدفاع عن العمق الإيراني وتحصين خطوط الدفاع الخارجية في ظل المتغيرات القريبة القادمة في سماء طهران، فالنظام الإيراني يتبنى في المنطقة اليوم تكتيكا هجوميا محضا للدفاع عن العمق الإيراني المهدد باحتمالات اشتعال داخلية، كما أن العراق يعاني من نفس الإشكالية بعد فشل العملية السياسية وأحزاب السلطة في الخروج بالعراق من المستنقع الطائفي الذي يتخبط فيه خبط عشواء، ولكن تحديات الواقع العراقي المر لا يمكن أن تكون جميعها بردا وسلاما على جنرالات إيران في العراق، فقوات الحشد الشعبي التي يقودونها ويرسمون مسار عملياتها تعاني من استنزاف بشري رهيب متمثل في كثرة الخسائر حتى أنه يندر وجود بيت عراقي في الجنوب لم يقدم عددا من الضحايا! ، ثم أن وزارة الدفاع العراقية تحجم عن تسليم جثث القتلى من المتطوعين لذويهم دفعة واحدة لكثرتها وما يمكن أن ينجم عن ذلك من ردود أفعال غير محسوبة شعبيا!!، لذلك فتسليم الجثث يتم على دفعات وبالتقسيط!!.. هذا غير حالة الشلل والعجز والاستنزاف الاقتصادي الذي يعانيه العراق بسبب تعطيل كل مرافق الإنتاج الوطني، يضاف لذلك النزف الإيراني المرهق والشديد للموارد في معارك العراق والشام واليمن ضمن حالة التناطح الإستراتيجي القائمة والتي لايمتلك النظام الإيراني إزاءها إلا الإيغال في التعمق في العمق العراقي لكونه خياره الوحيد، ولكنه خيار سيدفع الإيرانيون ثمنه وبما ينعكس على الداخل الإيراني!