08 نوفمبر 2025
تسجيلقبل أن يندفع الثوار الشبان، ومعهم حشود من جماهير الشعب الفرنسي لاقتحام سجن الباستيل- رمز الظلم والقهر- يوم 14 يوليو سنة 1789 كان المفكرون والأدباء الطليعيون قد مهدوا- بكتاباتهم المطالبة بالعدل والمساواة- لانطلاق الثورة الفرنسية الشعبية، التي براها المؤرخون أم الثورات في أوروبا وفي العالم، وما تزال فرنسا تحتفل إلى الآن بتلك الثورة الشهيرة يوم 14 يوليو من كل سنة، باعتباره يوم سقوط سجن الباستيل الرهيب في أيدي الثوار الذين اقتحموه، ولكن علينا ألا نتذكر عضلات الثوار ونكتفي بهذا، وإنما لابد أن نتذكر العقول والقلوب التي مهدت لما جرى على أرض الواقع، وعلى سبيل المثال فإن علينا أن نتذكر كلا من جان جاك روسو صاحب كتاب العقد الاجتماعي، وفولتير صاحب كتاب روح القوانين وصاحب العبارة الشهيرة التي تتردد على ألسنتنا باستمرار: أنا أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد لأن أدفع رأسي ثمنا لأن تقول كلمتك! هذا يعني- باختصار- أن تلك الثورة لم تكن مجرد فوضى دموية سائلة على الأرض، لأن المفكرين والأدباء كانوا في طليعتها وفي صدارتها، ولو رصدنا الثورات المختلفة التي نجحت بعد ذلك في تحقيق أهدافها، لوجدنا أنها لم تنطلق بجناح واحد، وإنما انطلقت بجناحين اثنين، جناح المقكرين والأدباء الذين يمهدون لها ويواكبون مسارها، وجناح الشبان الثائرين الذين هم وفود الثورات بصورة عامة. لو طبقنا هذا الذي أقوله على الثورات العربية التي سماها الإعلام الغربي ثورات الربيع العربي، فإننا نستطيع القول- دون ظلم لأحد- إن تلك الثورات قد انطلقت بجناح واحد، لا بجناحين اثنين، وفي هذه الحالة لا بد أن يختل التوازن المنشود، ليتحول إلى توازن مفقود، وهو ما لايتيح للاستقرار الاجتماعي أن يعود لكي يتحقق من جديد، بعد التخلص من أوجاع المخاض الذي مرت به كل ثورة من تلك الثورات في تونس- ابتداء من ديسمبر 2010 وفي مصر- ابتداء من يوم25 يناير 2011 وفي كل من ليبيا واليمن وسوريا بعد ذلك. هنا ينبثق السؤال الحاسم: إذا كنا نستطيع أن نذكر جان جاك روسو وفولتير وسواهما من المفكرين والأدباء الطليعيين الذين مهدوا للثورة الفرنسية الشهيرة، فهل نستطيع أن نذكر أسماء مفكرين وأدباء عرب، يمكننا أن نقول- باطمئنان- إنهم قد مهدوا للثورات الشبابية والشعبية العربية؟ لو أنني حاولت الإجابة على هذا السؤال، مكتفيا بما جرى في مصر وحدها، فإني أتصور أن هذه الإجابة ستكون صادمة، فباستثناء محاضرة محمد حسنين هيكل عن توريث الحكم من حسني مبارك إلى نجله جمال، وهي المحاضرة المهمة التي ألقاها في الجامعة الأميركية بالقاهرة سنة 2006 على ما أتذكر، وباستثناء حركة كفاية النخبوية بقيادة جورج إسحاق، فإننا لن نجد أية أسماء بارزة لمفكرين وأدباء طليعيين، يمكننا أن نقول إنهم قد مهدوا لماجرى ابتداء من يوم 25 يناير 2011 والسبب- في تقديري- يرجع إلى أمواج الإفلاس الفكري والثقافي التي اكتسحت العقول والقلوب على امتداد ثلاثين سنة من الحكم غير المبارك لمصر، وأمامي الآن مقال منشور في مجلة عربية شهيرة، يتوافق مع إجابتي المتسرعة، أما عنوان المقال فإنه صادم هو الآخر: المثقفون في مهب رياح الربيع العربي.. غائبون لا يفتقدهم أحد! ويبقى سؤال يتطلب إجابة مفصلة ولكن فيما بعد: لماذا لم تنجح الثورة الشبابية الشعبية في مصر أن تحقق ما كانت تسعى لأن يتحقق من أهداف ومن آمال على أرض الواقع؟ وإذا كان الإعلام الغربي قد تحدث عن ربيع الثورة، فهل نستطيع نحن الآن أن نتحدث – بالمقابل- عن خريف الثقافة؟!