12 سبتمبر 2025

تسجيل

زوايا المثلث التربوي

01 أكتوبر 2015

إن من ملامح الفكر الإسلامي الحق أنه فكر مستقبلي يرمق الصبح القادم ويأبى أن يحتبس في الحاضر أو يستغرق في الماضي؛ فالإسلام في مسيره لم يكن يخلو من تغيرات المستقبل وتغيرات الغد كما لم يكن استشراف المستقبل عند سلفنا ترفا فكريا عاشوه بل كان في نظرهم فرضا إسلاميا استجابوا له والتزموا به ولعله قد يكون من دواعي التفكير المستقبلي اليومي أن نتجاوز به حالات الإحباط والإخفاق التي تلف حاضرنا وتشل فينا كل رغبة في الحراك الحضاري الشامل؛ فالحياة دون هدف لا قيمة لها والهدف ما لم يكن ساميا وكبيرا يظل نائيا وبعيدا، فإن أصول التربية وقواعدها تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها، وأن يكون خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق، ويحرص على تلبية نداء الحق والخير وحماية المجتمع من عوامل الفساد والضعف والابتذال والتخلف، ويعمل على تطوير مجتمعه والدعوة إلى البناء والإصلاح والصدق مع النفس لكي يعيش الفرد حياته على جانب من الالتزام والمسؤولية بحيث يكون صادقاً مع نفسه ومع غيره ومع عمله ومجتمعه لا يخاف إلا الله.فتربية الأجيال لها عدة أطراف لا بد من أن تجتمع لتحقق هذا الهدف وهو إخراج الجيل الفريد وهذه الأطراف هي الأسرة والمدرسة والمعلم، فهذه هي العناصر والأركان الأساسية التي تقوم عليها قضية تربية وبناء الأجيال، وإن اختل أحد هذه الأركان أو ظهر القصور في أحدها أثر ذلك سلبا على عملية بناء وتربية الجيل المسلم، فالدين الإسلامي لم ترتفع على بقاع المعمورة رايته، وتعلو بين الأمم كلمته ويمتد على الأرض سلطانه وتنتشر في العالمين دعوته، إلا على يد هذه العصبة المؤمنة من الشباب الذين تربوا بين أحضان مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم ورضعوا من لبانها الصافي واستقوا من مناهلها العذبة فرقت قلوبهم وقويت شوكتهم وصفت نفوسهم، فأبناء اليوم الذين هم عماد المستقبل وأمل الأمة تراهم يتهافتون على مغريات الحياة الدنيا كتهافت الفراش على النار ولم يدر بـخلده أنـها ستحرقه، إنها مغريات كثيرة إحداها القنوات الفضائية الخليعة هـذه الفتنـة العظيمة وهذه البضاعة المنتنة يتسابق عليها بعض من الأبناء الذين ساءت تربيتهم وبعدت عنهم عين المتابعة والرقابة برغبة جامحة من أجل جسد عريان أو راقصة خليعة، أو نظرة محرمة ألم يعلم هؤلاء أنه غزو الفكر والعقل واستثارة الشهوات الكامنة لينتج عنها فضيحة المجتمع المسلم باتباع أدعيائهم من الغرب وتقليدهم ويصبحون هم قادتنا بعد أن كنا نقودهم وسادتنا بعد أن كنا أسيادهم، فلن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.ولهذا اهتم الإسلام كثيرا بالتربية وحثنا على الاعتناء بالنشء والاهتمام بتربيتهم والحرص على تكوين الشخصية السوية وصياغة أفكارها وتهذيب سلوكها لتحقيق الأهداف المنشودة وإكسابها المهارات والخبرات اللازمة ومجتمعنا اليوم يمر بتحديات تحتم عليه أن يأخذ بكل أسباب العلم والقوة والعمل، وكم في ذلك من سعادة غامرة وبهجة تامة بحيث تبدو الحياة أمام الإنسان ناصعة مليئة بالسرور والارتياح والاطمئنان والرضا، فإن بناء الأجيال وتربيتهم أمر من الأمور المهمة في الحياة وهذه التربية لا بد أن تقوم على أساس قوي من المنهج السليم والعقيدة الصافية التي لا يخالطها أي شائبة، لأن التربية قضية من القضايا الجوهرية في الأمة ولا بد من توافر المربي المتمكن والناصح الأمين والناجح المدرك لأهمية المسؤولية وعظمها الذي يستطيع أن يصنع الأجيال وفق ما تفرضه علينا عقيدتنا ويقرره لنا ديننا، فالأسرة هي اللبنة الأولى في التربية والتي تقع عليها المسؤولية العظمى في بناء الأجيال وتخريجهم إلى الواقع، ولهذا فإن الله أمر أن يترحم العبد على والديه بسبب تربيتهما له وحين تربي الأسرة طفلها فإنها تشكل اتجاهاته وميوله وفق معايير معينة تقوم على أسس الدين ومنهج القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لتعينهم على تكوين النظرة السليمة للحياة، وهذه التربية مقترنة بالتعليم الذي يصقل ملكات الأفراد وينمي مواهبهم بهدف تهذيب الأخلاق، وإبعادهم عن كل طرق الانحراف والضياع وهنا فإن على الأسرة أن تربي الأبناء على حب الله عز وجل والأدب معه ومع كلامه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع كلامه وغرس ذلك في نفوسهم وتنشئتهم عليه، والمحافظة على شعائر الدين الظاهرة والباطنة، وجعلها من الأمور التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقصر عن أدائها أو يتنازل عنها.