10 سبتمبر 2025

تسجيل

ثقافة النقد

01 أكتوبر 2012

نَعي ويَعي الجميع، أن النقد علم مستقل، منفصل عن كل العلوم الأخرى، وإن كان يسير في ذات الخط الموازي، فالنَقد هو النور الذي يسلط على أي عمل إبداعي، فيُسفر عن ذلك الضوء المنبثق، جمالية النص أو اللوحة، أو أي من العلوم الأخرى. ولعل أهمية النقد تكمن في نقطتين أساسيتين، الأولى تخص تلك الكتلة الأدبية: بأن يتم تحليلها وتفكيكها ومعالجتها من زوايا قد تكون خافية عن الكاتب نفسه، في ذات الوقت، يفهم المتلقي النص بصورة أكبر وأوضح وربما أجمل. أما النقطة الأخرى، فهي بمثابة الرقابة التي يستشعرها الكاتب أو الشاعر أو الفنان، فيحرص بجهده وفكره على ألا يُلقي أي عمل في بحر الفن، ما لم يكن واثقاً في عمقه، وافياً في معناه، فهذا النقد في النهاية، كشف وتجلّ وإسفار عن الفكر والعمل وحقيقة تمكن الفنان من جوّه. وعلى المستوى الأدبي، فهناك مناهج نقدية يسير بها النقاد في رؤيتهم للنصوص الأدبية، كما المنهج التقليدي وقد مثّله الشيخ المرصفي في نقد الشعر العربي في العصر الحديث، ثم جاء فوق النقد نقد، بعدما ظهرت دعوى الدكتور مندور في أنه منهج بالٍ، ولكن كل ذلك كان في إطار أدبي. ومن المناهج الأخرى، فهناك المنهج التجديدي ويمثله عباس محمود العقاد وابراهيم المازني بكتابهما "الديوان"، وأيضاً المنهج النفسي، والمنهج الاجتماعي، والتأثري، إلى أن يصل الأدب إلى المنهج الأحدث وهو "المنهج البنيوي أو الموضوعية البنيوية". كل ذلك فهو في قالب الثقافة والأدب وعدم التعدي من النص إلى الكاتب، ولكن ماذا لو كلّت العين عن الأدب، لتُبدي مساوئ الكاتب أو الشاعر أو صاحب العمل الإبداعي؟ والأنكى، أن تُستخدم اللغة الركيكة في النقد غير البناء، لمواجهة نص بلغة رفيعة غناء، وإحساسا شاعريا عاليا.. إن تلك الشاكلة ممن تدّعي النقد، هم دخلاء على اللغة والأدب والجمال بشكل عام، فأشهر القوانين تقول إن لكل فعل ردة فعل مساوية في القوة ومعاكسة في الاتجاه، أما الأسلوب الركيك أمام قوة نص، فلا نسبة ولا تناسب ولا تكافؤ حتى، فكيف يسمى في الأخير نقداً..؟ إن النقد خُلق للارتقاء بالأدب والأدباء، فإذا حدث وإن ظهر مرتزقة للعلوم والفنون، يجري على لسانهم السباب والشتم والتشكيك، وكل ما هو دون الخُلق والأدب، فإن ذلك في النهاية تأثير سلبي على فن هذا العصر من أدب وشعر ونثر. ولكن، لعل العزاء في أن القمم لا تتأثر بالوحول عادة، فمن تمدد في آفاق الأدب واستلهم الجمال لا يكترث عادة بالغوغاء، ومن جانب آخر، من عكف في عمى وإصرار في تثبيت نفسه دخيل على كل ما هو جميل، سيظل أينما أراد أن يبقى، ولكل وجهة هو موليها.