12 سبتمبر 2025

تسجيل

ما هو سر أن تكون قطر صغيرة الجغرافيا كبيرة الحضور العالمي؟

01 سبتمبر 2023

جاءت تصريحات معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية خلال جلسة حوارية عقدت في سنغافورة أثناء الزيارة التي أداها معاليه إلى تلك الدولة الصغيرة جغرافيا بدعوة من رئيستها السيدة حليمة يعقوب، وهي امرأة محجبة وربة أسرة مسلمة تدير شؤون سنغافورة باقتدار ونظافة قلب ويد ولسان وجعلت من تلك الجزيرة الصغيرة رقما متميزا من الرقي والنهضة الاقتصادية وسعادة المواطن نمرا آسيويا من النمور. وهنا قارن معالي رئيس الوزراء بين الدولتين من حيث اشتراكهما في صغر الحجم الجغرافي وكبر الحجم الاقتصادي والإشعاعي والحضاري وهي نفس المعاني التي ذكرها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله، في العديد من المناسبات مشيدا بجهود دولة قطر لتتحول إلى قطب طاقي وصناعي ثم إلى وسيط خير وسلام في كثير من أزمات المنطقة والعالم. حيث أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية أن الدول الصغيرة المحدودة بحجمها يمكنها استخدام الأدوات والإستراتيجيات المتاحة لتصبح أطرافا فاعلة دوليا وجاءت تصريحات معاليه خلال مشاركته مع المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات (جون تشيبمان) في الجلسة الحوارية المنعقدة تحت عنوان «الدول الصغيرة وإستراتيجيات النجاح في عالم تنافسي»، وقال رئيس الوزراء: «لفترة طال أمدها كنا ننظر إلى الدول الصغيرة على أنها دول محدودة بحجمها كأنما نقصد أنها معاقة بالجغرافيا ولكن اليوم وبالنظر إلى الأمثلة الناجحة من الدول الصغيرة مثل قطر وسنغافورة يمكننا رؤية كيف يمكن أن تصبح أطرافا ناجعة وفاعلة في المجتمع الدولي». وأضاف: «غالبا ما أسأل كيف تمكنت قطر كدولة صغيرة من تحقيق التوازن بين اللاعبين الدوليين»، قائلا إن «قطر تؤمن بتداخل وترابط المجتمع الدولي وهذه القناعة تمكننا مثلا من إقامة شراكة تجارية قوية مع الصين مع الحفاظ على تحالف إستراتيجي مع الولايات المتحدة»، وتابع: «في ذات العام الذي تم فيه تصنيفنا كحليف للولايات المتحدة كدولة غير عضو في حلف شمال الأطلسي وقعنا ثلاث اتفاقيات طاقة جديدة مع الصين». وأوضح أن «قدرتنا على إدارة علاقاتنا مع الصين والولايات المتحدة ترتكز على قدرتنا على التكيف والمشاركة الدبلوماسية والسعي لتحقيق المصالح ذات المنفعة المتبادلة وهذا لا يخدم المصالح الوطنية لدولة قطر فحسب، بل يساهم في الاستقرار الإقليمي والعالمي أيضا»، وأشار إلى أنه «يمكن للصراعات العديدة التي نشهدها في كل المناطق أن تغري الدول الصغيرة بتبني القناعة بأنه ليس لها دور تلعبه لمجرد صغر حجمها ولكن الحقيقة على النقيض من ذلك تماما ففي بعض الأحيان تكون الدول الصغيرة في وضع أفضل للعب دور حاسم في حل النزاعات»، وأضاف: «يتعين على قادة الدول الصغيرة أن يكونوا مستعدين لمواجهة هذه التحديات لا كمتفرجين سلبيين بل كمشاركين نشطين وفاعلين في بناء السلام والاستقرار وكميسرين للحوار ووسطاء خير وسلام في الصراعات العالمية». كما أكد أن نجاح دولة قطر في هذه المشاركات يأتي من خلال التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية هي: بناء التحالفات المتعددة الأطراف وتيسير الوصول للسلام والاستثمار في النمو الاقتصادي من أجل الأجيال القادمة. وبيَّن أن دولة قطر «تركز أيضا على عملية تعزيز الوصول للسلام لتعزيز السلام والأمن الدوليين وقد كان هذا أحد الركائز الرئيسية لسياستها الخارجية لأكثر من 25 عاما.. وكوننا دولة صغيرة مثلنا مثل سنغافورة يمنحنا الكثير من المزايا في التحرك الدبلوماسي وبناء العلاقات والشبكات مع الجميع.. ويمكن للدول الصغيرة أن تفتح قنوات اتصال موثوقة بين الدول، مما قد يشكل فرصة لتعزيز الشراكات الإستراتيجية مع القوى الكبرى». وتابع: «توصلنا مع إيران إلى اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة لنصبح وسيطا رئيسيا في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة ولفتح قناة مالية ستساعد في حل القضايا التي طال أمدها وهي خطوة نأمل أن تؤدي إلى تفاهمات أكبر بشأن مسألة إيران النووية». وهنا أذكر أن وزير الخارجية الإيراني توجه بالشكر لدولة قطر على وساطتها لحل الأزمات بين طهران وواشنطن وتابع: «فباستخدام الثروة التي حبانا الله بها استثمرنا في بلدنا وشعبنا في مجالي التعليم والبنية التحتية وأنشأنا شركة طيران ومطارا وميناء بحريا على أحدث طراز في حين أصبحنا خبراء في الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والخدمات المهنية، وأنشأنا أيضا جهاز قطر للاستثمار الذي يخطط للاستثمار في مستقبل قطر من خلال مشاريع متنوعة تمتد عبر الأسواق والقطاعات والمناطق الجغرافية العالمية الرئيسية»، وأكد أن نموذج دولة قطر الاقتصادي قد أثبت نجاحه من خلال استضافة أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم ألا وهو بطولة كأس العالم قطر 2022، قائلا: «لقد شكَّل تنظيم قطر الناجح لكأس العالم إنجازا كبيرا لدولة صغيرة فالبطولة لم تمنحنا فرصة لبناء بنية تحتية مستدامة ونمو اقتصادي كبير فحسب وإنما عرضت أيضا الثقافة القطرية والعربية والإسلامية لتصحيح الصورة النمطية المشوهة السائدة». مؤكدا أن «مهمتنا الآن هي أن نصبح مركزا عالميا حيويا». هذه ملامح فلسفة سياسية حديثة تتبناها قطر بفضل حكمة قيادتها وسلامة توجهاتها وهي التي جعلت قطر الصغيرة جغرافيا كبيرة في العلاقات الدولية ومؤثرة في مسيرة العالم.