14 سبتمبر 2025
تسجيلوسط أطنان هائلة من المشاكل العراقية المتراكمة والتي بلغت الذروة مع ضياع السلطة وبروز التيارات الطائفية المتطرفة التي تحاول فرض مفاهيمها الانقلابية الشمولية، وفي خضم الفوضى الطائفية المرعبة التي تضرب العراق وشلت جميع قطاعاته الحيوية والخدمية، وحولته إلى نموذج فظ ورث للدولة الفاشلة بامتياز- لم يجد البرلمان العراقي من قضية يناقشها، ومن ملف يحسم فيه المواقف، ومن أزمة يحلها سوى قضية العودة لذلك القانون السيئ الصيت والسمعة، وهو قانون تجريم وحظر حزب البعث العربي، والذي كان قائدا للعراق منذ السابع عشر من يوليو 1968 وحتى التاسع من أبريل 2003، والذي لم يسقطه الشارع العراقي، ولا المعارضة العراقية التعيسة التي كانت تعمل بغباء وعدمية منقطعة النظير، بل أسقطته الولايات المتحدة وتحالفها العسكري الغربي في أكبر وأقوى هجمة عسكرية كونية كانت نموذجا للعدوانية الرثة وبربرية بكل معنى الكلمة لكونها لم تستهدف شخصا محددا أو نظاما معينا، بل استهدفت العراق والشرق العربي بأسره وحيث اعترف الغرب ذاته بجسامة وخطأ تلك الفعلة العدوانية كما عبرت عن ذلك اللجنة البرلمانية البريطانية واعتذار رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير، وتلك قصة أخرى! لقد سبق للنظام العراقي الذي قام بعد الاحتلال بأن فرض قانونا (برايمريا) لاستئصال حزب البعث كانت نتيجته الإجهاز على عشرات الآلاف من الأبرياء بتهم كيدية، فمن كان بعثيا من طائفة معينة مرضي عنها وتتحكم في الإدارة الراهنة، فإن الصفح والعفو عنه أمر واجب ولو كان تاريخه حافلا بارتكاب التجاوزات! أما من كان من الضفة الطائفية الأخرى فإن سيف الانتقام سيطاله ولو كان من حمائم البعث ولم يؤذ ذبابة!! وفي ظل غياب موازين حقيقية للعدالة في العراق وضياع النظام القضائي تحت سطوة الميليشيات فإن إقامة العدل والقسطاس تصبح مسألة نسبية. البرلمان العراقي في قانونه الجديد القديم بحظر حزب البعث العربي بالكامل ومنع عودته للحياة السياسية إنما يمارس فعلا إقصائيا مرفوضا ضد قوى جماهيرية مهمة لها دورها في الشارع العراقي، ولعبت أيضا تاريخا حافلا ومهما في مسيرة التاريخ العراقي المعاصر، فبعيدا عن سياسة وأسلوب الحب والكراهية والمزاج، فإن حزب البعث لعب دورا مفصليا في النهضة الوطنية العراقية المعاصرة، وكان له دوره الذي لا يغفله التاريخ في تحقيق إنجازات وطنية نوعية، ففي عام 1977 أقرت منظمة اليونسكو بأن العراق كان في طريقه لمغادرة قطار العالم الثالث بعد نجاح الحملة الوطنية الشاملة ضد الأمية. وإذا كان حزب البعث قد عانى من انتكاسة منذ عام 1979 تحديدا فإن ذلك لا يلغي دوره ولا تاريخه، فالانتكاسات عابرة وهي محطات فاصلة في تاريخ وحركة التطور الاجتماعي والسياسي، والحملات الأمنية الشرسة ضد الحزب منذ 13 عاما ماضيات لم تستطع إنهاء الحزب وجرف دوره والإجهاز عليه، والدليل هو دخول البرلمان العراقي على الخط لتحريم وتجريم الحزب بعد عقد ونيف من حملات القمع والإرهاب والاستئصال التي لم تستطع استئصاله، لقد وحد حزب البعث العراقيين بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم تحت رايته الوطنية والقومية والتي لم يزل لها أتباعها الكثر رغم الهجمة الجاهلية والتجهيلية التي يعانيها الشارع العراقي؟ والعجيب والغريب أن حكومة العراق تجرم وتحظر حزب البعث نتيجة للاستجابة للعصابات الطائفية التي تحكم العراق رغم أنها تقيم أفضل العلاقات مع نظام (البعث السوري) وترسل المقاتلين للدفاع عنه! فهل بعث الشام حلال، وبعث العراق حرام؟! استهداف حزب البعث العربي في العراق سيفشل ويتهاوى، فالبعث ليس مجرد دكان سياسي مفتوح مؤقتا، وإنما هو تاريخ ومنهج وعقيدة فشلت الدول الكواسر في النيل منه، فهل سيتمكن ثلة من الطائفيين الفاشلين من النجاح في كسر إرادة مجاهدي حزب أثبتت الأحداث أنه الأقوى، سيرحل الغرباء والمحتلون، ويفشل الطائفيون ويبقى بعث الأمة هدفا مقدسا للأحرار. [email protected]