02 نوفمبر 2025

تسجيل

الدراما التاريخية بين التشويق والتزييف

01 أغسطس 2014

التاريخ معين لا ينضب للقصص والحكايات والأحداث، فأخبار الملوك والسلاطين ومغامرات الفرسان والأمراء ومكائد الجواري وصراعات رجال الحاشية كلها مصدر مغر للأعمال الأدبية والفنية والدرامية، فالتاريخ أقوى دراما عرفها البشر . والتاريخ، هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث ويحللها على أسس علمية صارمة بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل .وكما وصف (ابن خلدون) التاريخ: "أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال، مثل التوحش والتأنس، والعصبيات، وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال" .كما يصف المؤرخ الكبير شمس الدين السخاوي التاريخ بقوله "إن التاريخ فن يبحث عن وقائع الزمان من حيث التعيين والتوقيت، وموضوعة الإنسان والزمان " .وكذلك يقول الشاعر العربي ليس بإنسان ولا عاقل من لا يعي التاريخ في صدره ومن درى أخبار من قبله أضاف أعمارا إلى عمره والدراما التاريخية تستوحي من شخصية تاريخية أو من حدث كبير ومهم عملا درامياً يتناول كل ما يحيط بالشخصية أو الحدث محور العمل، كالشخصيات المحيطة به والمواقف والصراعات بالإضافة إلى العناصر المكملة كالديكورات وشكل المدينة ومبانيها والأزياء والأكسسوارات بالإضافة إلى اللغة المحكية في الفترة المذكور والتي لا تتطابق غالبا مع اللغة المحكية في العصر الحديث . والعمل الدرامي التاريخي وإن كان مطلوباً منه أن يلتزم بعناصر التشويق والإثارة المتعارف عليها في الأعمال الدرامية إلا أنه يجب أن يلتزم بالأمانة التاريخية والمصداقية العلمية، وأن يعتمد على مصادر ووثائق تاريخية مؤكدة حتى يخرج العمل بصورة مرضية تتوافق مع الوقائع التاريخية. وفي هذا يقول الكاتب الدرامي بكر القباني: "على الكاتب أن يستقي معلوماته من المراجع العلمية المدعمة بالوثائق التاريخية، والمخرج لا بد أن يكون على درجة عالية من الثقافة، فهو المسؤول أولا وأخيرا عن عمله، وإذا لم يكن على علم ودراية بما خلف السطور الدرامية؛ فعليه أن يسأل أهل الذكر قبل أن يستعد لإنجاز عمل درامي لا يعي أبعاده، فيقع في شر أعماله، وهو تزوير التاريخ ". كما يقول الكاتب الدرامي يسري الجندي "التعامل مع التاريخ من خلال الدراما ينبغي أن يلتزم بما هو جوهري مع مساحة من التصرف خاصة أن التاريخ في بعض الأحيان قد لا يأتي على كل التفاصيل، ولكن هذا التصرف يكون بالقياس على ما هو معلوم من الأحداث التاريخية حتى يتسق معها " .الأعمال التاريخية الدرامية الكبيرة مثل فيلم الرسالة وفيلم الناصر صلاح الدين وغيرها من أعمال، والتي كان لها تأثير في تشكيل الوعي العام بالتاريخ لدى الجمهور العربي، عرضت في حينها على لجان متخصصة لإجازتها وقد قامت هذه اللجان بدراسة السيناريو بشكل دقيق قبل الموافقة عليه، لكن ما يعرض على المشاهدين في الفترة الأخيرة يثبت أن ما يسمى بالدراما التاريخية ليست إلا محض خيال وإن لجأ بعض المؤلفين إلى استهلال العمل بالقول إن العمل مستوحى من أحداث حقيقية كي يفلت المؤلف من التشكيك بتزييف التاريخ والإساءة لشخصيات كانت جزءاً فاعلاً من تاريخ دول وأمم .