16 سبتمبر 2025

تسجيل

يوسف وامرأة العزيز

01 أغسطس 2013

من المعلوم لدى الجميع، أن يوسف عليه السلام، هو مضرب المثل في الجمال والبهاء والحسن والرُواء، كان جماله يستهوي القلب، ويستلب اللب، وكذلك كل جمال في الطبيعة، وقد اختار الله تعالى صورته عليه السلام لتكون عليها صور عباده المؤمنين في جنة الخلد، حيث النعيم المقيم، الذي لا يكون نعيماً إلا بالجمال في كل شيء، باطناً وظاهراً ومحيطاً ومعطيات. سبحان من جعل للجمال سلطاناً على النفوس، تخضع وتنقاد له، انقياد المذعن المستكين، بلا حول منها ولا قوة، وسلطاناً على العقول، تدهش منه وتطيش له، ولا تملك دفعاً ولا ردا، وذلك ما حدث للنسوة اللاتي قطّعن أيديهن، بتشديد الطاء، بمعنى أنهن كررن القطع مرات، بإمرار السكين على أصابعهن، التي عبر عنها القرآن بالأيدي مجازاً. نقف عند قول الله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) الآية. للعلماء المفسرين في هذه الآية، ثلاثة أقوال أولها، أن امرأة العزيز همت بضرب يوسف عليه السلام، بعد رفضه وتأبيه أن يجيب طلبها إلى ما أرادت من الفاحشة، الأمر الذي فيه جرح لكبريائها، وغض من منزلتها، وهي السيدة المطاعة، وهو الخادم المطيع، وهمَّ يوسف عليه السلام بطبيعة الحال، بدفعها ورد اعتدائها، دفاعاً عن النفس، ولكن الله ألهمه أن يهرب خلاصاً مما هو فيه من غير اللجوء إلى العنف، وفي رأيي أن هذا القول، لا يتناسق ولا يتوافق كثيراً مع حالة المرأة التي تهيئ نفسها وتغلق الأبواب، وتصدر منها المراودة المتكشِّفة، وتطلب المواقعة متلهفة، وليس في ذهنها غير رغبة واحدة تجعلها متضعِّفة، إلا أن يكون الهمّ الذي همت به هو الميل بالجسد، ومس الجلد بالجلد، في محاولة يائسة لنيل ما أرادت عنوة، ومن هنا يأتي القول الثاني، وهو أن يوسف عليه السلام، هم بها أيضا بمقتضى الطبيعة البشرية والغريزة الفطرية، هماً لم يتعد خطرات النفس، لرؤيته برهان ربه، الذي سنتكلم عنه بعد قليل، القول الذي نجلّ عنه مقام الأنبياء المعصومين. القول الأصح والأصوب في نظرنا هو القول الثالث، بأنه لم يكن من يوسف هم مطلقاً، وهذا باعتبار جانب اللغة، الذي يبينه لنا النحويون، عند حديثهم عن حرف (لولا)، أنه حرف امتناع لوجود، يمنع الثاني من أجل وجود الأول، ومثال عليه (لولا زيد لزرتك) أي لولا وجود زيد لزرتك، فإذن امتنع وقوع الزيارة من أجل وجود زيد، ولن يتغير المعنى لو حدث تقديم وتأخير في الجملة، بقولنا (زرتك لولا زيد)، وقول الله في يوسف مثل هذا، لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، ولكنه لم يهم لوجود البرهان، ومثله تماماً قول الله تعالى في أم موسى:(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين)، فلولا الربط على قلبها أي تثبيته، لحصل منها الإبداء. وذكر الرازي أن الفائدة من ذكر الهم مع أنه لم يكن هناك هم، الإخبار أن هذا الامتناع لم يكن لعجز، ولكنه ترك ذلك لله وفي الله. بقي الحديث عن البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام، الذي يؤولونه بأقوال كثيرة، وذهبوا فيه مذاهب شتى، منها أن يوسف رأى صورة أبيه يعقوب وهو ينهاه، ولا أدري لمَ يحصرون الرؤية بالنظر، وهي يمكن أن تكون بالنفس، بما يسطع في النفس المؤمنة وما ينبض في القلب الصالح من تذكر وعد الله ووعيده، وميثاقه وما أخذه على عباده، وعقابه وجزيل ثوابه، مصداقاً لقوله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). وفي ختام مقالتي، أدعو الله بدعاء يوسف الذي جاء في قوله تعالى: (فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين).