11 سبتمبر 2025
تسجيلمن حق كافة القوى التعبير عن نفسها والهيمنة والاستفراد بالمشهد غير مقبول مرة أخرى تتجمع سحب الانقسام في أفق القوى المنتمية لثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر ففي الوقت الذي توافقت فيه قبل يوم الجمعة الأخير – التاسع والعشرين من يوليو – على أن تكون فعاليات هذه الجمعة لوحدة الصف ولم الشمل والتوافق على استكمال مسار الثورة عبر عدد من المطالب المحددة فوجئ العدد الأكبر من الائتلافات والحركات والأحزاب بمسعى القوى التي تعبر عن التيار الإسلامي للهيمنة على المشهد العام لميدان التحرير وغيره من الميادين عبر التدفق المبكر لعناصره خاصة التيار السلفي الذي احتشد على نحو غير مسبوق برموزه وشبابه المعروفين بلحاهم الطويلة وجلابيبهم القصيرة فسيطروا على أغلب مداخل الميدان ومنصاته وساحاته فبدا الأمر وكأنه استعراض للقوة موجه للكافة بل فسره البعض بأنه موجه بشكل خاص إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تسوق نفسها باعتبارها التنظيم الأكثر قوة واتساعا من حيث الجماهيرية حتى تقبل بتوجهات التيار السلفي التي لاتقبل بها الجماعة على نحو مطلق. وليس ثمة شك في أنه من حق جميع القوى والتيارات التعبير عن نفسها وعن توجهاتها وأفكارها وفق المنهجية السلمية التي لا تتقاطع مع أفكار وتوجهات الآخرين لكن في الآن ذاته فإن منطق الهيمنة والاستفراد بالمشهد غير مقبول بالمرة خاصة في ظل تفاعلات ثورة وليدة مازالت تتحسس سبيلها سعيا لتحقيق متطلباتها التي يجمع عليها الشعب حتى وإن اختلفت وسائل قواه الحية وهو ما كان يستوجب على رموز التيار الإسلامي الالتزام بما تم التوافق عليه مع رموز القوى والتيارات الأخرى قبل مليونية الجمعة الأخيرة وأظن أن الوفاء بالمواثيق والعهود واحد من محددات الانتماء إلى الإسلام وشريعته ومنهجه الرباني والتي لا تقصي الآخر أو تهمشه وإنما تحث على التفاعل معه وتوظيف طاقته في خدمة المشروع الإسلامي الذي هو بالأساس مشروع موجه لتلبية مطالب الناس بشقيها المادي والروحي. لقد تبارى رموز التيار السلفي في طرح شعارات إسلامية وهو أمر مقبول من حيث المبدأ لكنه يحمل في الآن ذاته محاولة لاستبعاد شعار الدولة المدنية التي باتت تحظى بالقبول العام حتى من قبل المؤسسة الإسلامية الرسمية – الأزهر- وهو ما عبرت عنه في وثيقتها الشهيرة التي أصدرتها قبل نحو شهرين فضلا عن أن كثيرا من المفكرين الإسلاميين ومنهم الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أحمد كمال أبو المجد لا يؤمنون بالدولة الدينية وإنما يدعون إلى دولة وطنية ذات مرجعية إسلامية تقوم على أساس المواطنة للجميع وهو ما نهضت عليه أسس الدولة في التاريخ الإسلامي بمعنى أنه لم يكن ثمة كهنوت يحكم وفق النموذج الذي كان قائما في الغرب قبل الإصلاح الديني الذي طال الكنيسة والذي كان يمنح رجالها كل السلطة في الهيمنة على مقادير البلاد والعباد. لقد ألقت الشعارات واللافتات التي حملت مقولات ذات طابع ديني بميدان التحرير وغيره من الميادين بعض الهواجس لدى أنصار ومؤيدي القوى والتيارات الأخرى فاضطر أغلبهم إلى الانسحاب من المليونية وعاد المشهد السياسي في مصر إلى مربع الانقسام الذي تم تجاوزه قبل ثلاثة أشهر عندما شهدت مصر نوعا من الاستقطاب الحاد بين القوى التي شاركت على نحو أو آخر في الثورة على نحو جعل مصر تعيش ما يمكن وصفه بالفسطاطين الأول يحتوي الجماعات الإسلامية التي دخلت بقوة على خط الثورة سعيا إلى تكريس حضورها ودروها اعتمادا على خطاب يستخدم المفردات الدينية من قبيل الشريعة والحدود دون أن يمتد للأسف إلى الصيغ الدينية التي تعلي من قيمة الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان ومحددات التنمية والتحديث الذي تتطلع إليه مصر وهي قضايا جوهرية في الحراك السياسي المصري الذي قاد إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير بينما يضم الفسطاط الآخر القوى السياسية ذات الصبغة الليبرالية والقومية واليسارية وائتلافات الثوار بتعدد اتجاهاتهم وانقساماتهم الحادة بدورها والتي أبدت انزعاجا من محاولة استغلال الرموز والخطاب الإسلامي في الحركة السياسية ومخاطبة الرأي العام المصري ووصل الأمر إلى حد محاولة التخويف من تداعيات وقوع أي مقاربة قد تفضي إلى تولي الإسلاميين بمختلف توجهاتهم إخوانية أو سلفية أو جماعات أخرى السلطة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من المخاطر فثمة من يحذر من دخول البلاد والعباد أيضاً إلى مستنقع الحرب الأهلية إذا ما أصر الإسلاميون على فرض خياراتهم التي جعلت البعض يخشى من تحول مصر إلى أفغانستان أخرى تحت حكم طالبان خاصة أن الخطاب الذي يسوقه التيار السلفي أقرب إلى خطاب هذه الحركة والذي يتعالى على الأطروحات السياسية والفكرية الحديثة ويعتبرها في حكم البدع وهو ما لا أظن أن مصر قابلة للتفاعل معه بفعل موروثها الحضاري الإسلامي القائم دوما على الوسطية والاعتدال والفهم المستنير لقواعد الشريعة وجعلها بذلك تشكل أنموذجا مقبولا للتعايش بين المواطنين بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية تحت عباءة الإسلام وقد رفض الشارع المصري في حقبة التسعينيات محاولة الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي لفرض رؤية متطرفة طالت مسارات حياته اليومية ولم يبد أي تجاوب معهما بالرغم من الكراهية المبطنة لنظام مبارك الذي كانتا تعلنان أنهما تحاربانه . وفى تقديري فإنه بات مطلوبا من قوى التيار الإسلامي خاصة السلفي أن يتخلص من خطابه المغلق على بعض الشعارات التي تفتقر إلى مضمون ومنهجية وآليات عمل تتماس مع الواقع المباشر وأن ينفتح على كل قوى المجتمع بل ويستفيد من المهارات التي اكتسبها الإخوان المسلمون في التفاعل مع الشارع والتعبير عن أشواقه خاصة على الصعيد الاجتماعي الذي ميز حضورهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة وجعلهم في مواجهة مع العديد من المعضلات اليومية التي يسعون إلى تجاوزها فضلا عن خبراتهم السياسية على صعيد المواءمة مع الواقع وعدم الوقوع في فخ الخطابية الضبابية والتكيف مع محددات السياسة المعروفة بعيدا عن " شطط " الخطاب المتشدد الذي ينفر ولا يجذب. وفي المقابل فإنه لا يتعين على القوى والتيارات الأخرى من ليبرالية وقومية وعلمانية أن تتهرب من المواجهة أو تنسحب من الميدان وإنما هي مطالبة بالتوجه نحو القوى الإسلامية وفي مقدمتها السلفيون والاندفاع إلى احتوائهم وإشعارهم بأنهم جزء من المكون الأساسي للأمة والدخول معهم في حوار يحقق مقاربة باتجاه القواسم المشتركة وتجاوز ما يعكر الصفو خاصة على صعيد رفض الشريعة الإسلامية وهو التخوف الذي يسيطر على الإسلاميين بمختلف توجهاتهم وبالذات تجاه المادة الثانية من الدستور والإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى والذي ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع في مصر بحيث يكون هناك إجماع بشأن هذه المادة التي تشكل ضمانة للاستقرار وذلك حتى لا يندفع السلفيون وغيرهم من مكونات التيار الإسلامي نحو المزيد من الانغلاق وربما الانزواء تحت الأرض بعد الخروج إلى سطحها. السطر الأخير: قومي انغرسي جذورا بتكويني احترقي اشتعلي فالعشق سبيلي إليك لغتي في أشواقي بثي دفئك بشراييني أفتح بوابات القلب للنبض الطالع من عينيك يشرق قمرا بأحزاني يخترق الوجع المرسوم بآهاتي يقصي دموعا بمسافاتي فكوني مطرا أو نهرا كوني ضوءا ينهمر بعتباتي (2) جئتك مفتونا أحمل ولعي على ظهري مقسوما بمقاديري فتعالي أبثك وجدي أمرح في أرضك بخيولي أمنحك سر الأقمار تهبيني رقص الأنهار نمتزج كونا ما يفتأ يقص الأشعار [email protected]