09 سبتمبر 2025

تسجيل

نظرية الاستبدال العظيم: تعبئة اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية

01 يوليو 2024

الانتخابات الفرنسية لا تجذب الاهتمام فقط داخل فرنسا، بل في جميع أنحاء أوروبا أيضًا. ومن المتوقع أن تكون الانتخابات التشريعية المقررة في 30 يونيو و7 يوليو لها تأثير كبير على مستقبل أوروبا في جميع المجالات؛ بسبب أهميتها الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية ضمن الهيكل الأوروبي. وهذا ما كشف عنه وزير الخارجية الألماني الأسبق، ليوشكا فيشر قائلاً: «إن مستقبل أوروبا يعتمد إلى حد كبير على نتائج هذه الانتخابات الفرنسية «.ويخوض اليمين المتطرف هذه الانتخابات بتفاؤل كبير بتحقيق فوز كاسح، استنادا إلى النجاح اللافت الذي حققه في الانتخابات الأوروبية السابقة، إضافة إلى تصدره استطلاعات الرأي في فرنسا في اليوم الأخير من الجولة الأولى من التصويت. وتسود حالة من القلق والترقب في فرنسا، خاصة بين المسلمين، خوفا من فوز اليمين المتطرف في نتائج الانتخابات التشريعية ووصوله إلى السلطة؛ لتبنيه خطابا تحريضيا يستهدف المهاجرين والمسلمين. ويستمد هذا الخطاب أسسه من نظرية الاستبدال العظيم « «Le Grand Remplacement التي صاغها الناشط السياسي الفرنسي رينو كامو Renoud Camus « «عام 2010. تزعم النظرية أن فرنسا، التي تتميز بثقافاتها المسيحية التقليدية، قد تواجه تحولا يتم فيه استبدال السكان الأصليين البيض بوافدين أفارقة ومسلمين جدد. يُنظر إلى هذا التحول المفترض على أنه تهديد للهوية الفرنسية والثقافة الأوروبية التقليدية بشكل عام. وانطلاقا من هذه النظرية، يروج اليمين المتطرف لفكرة أن مفاهيم التعايش والتسامح الحالية لم تعد مناسبة لمواجهة هذا التحول. وتمثلت نظرية الاستبدال العظيم في الهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا في مارس 2019، حيث استخدم الإرهابي الأسترالي عبارة الاستبدال العظيم بشكل واضح في الوثيقة التي نشرها قبل الهجوم. ويعكس هذا الحادث المؤلم كيف يمكن لخطاب الكراهية والعنصرية أن يؤدي إلى أعمال عنف مدمرة ضد مجتمعات المهاجرين والمسلمين. وينبع الموقف المعادي للإسلام في فرنسا من مشاعر عنصرية متجذرة في بعض الأوساط السياسية المنحازة، التي تسعى إلى تعزيز هذه الآراء حتى ولو ألبستها لبوس الفكر والتنظير. ومع ذلك، تعرضت النظرية لانتقادات لاذعة ومعارضة شديدة من قبل فلاسفة ومفكرين فرنسيين منصفين، الذين يؤمنون بقيم التسامح والتعايش مع الإسلام والمسلمين. يعبر عن هذا المعنى الفيلسوف الفرنسي، روجي جارودي «Roger Garaudy «في تجربته في الجزائر حيث تعرف على قيم التسامح والشرف عن قرب من خلال تفاعله مع المسلمين المحاربين الذين رفضوا تنفيذ أوامر إطلاق النار عليه ومرافقيه، مما أثر في فهمه للإسلام بشكل إيجابي وعميق. يذكر جارودي أنه في الجزائر، بعد سقوط باريس في يد النازية، تم أسره ومجموعة من مرافقيه، وتم نقلهم إلى سجن في الصحراء الجزائرية في 4 مارس 1941، وأنهم نظموا عصيانًا ضد السياسات النازية في السجن، الأمر الذي أثار غضب القائد النازي. وأمر المحاربين الجزائريين بإطلاق النار عليهم. ويذكر جارودي بأنه على الرغم من التهديدات المتكررة، رفض الجزائريون المحاربون إطلاق النار. وعندما تساءلوا عن سبب رفضهم وامتناعهم حتى في ظل التهديدات الشديدة، عَلِم جارودي أن شرف المحارب المسلم يمنعه من قتل الأبرياء العزل. يُعلق جارودي على هذا السلوك الحضاري قائلا: «لقد صوروا لنا المسلم على أنه متوحش همجي، فإذا بي أمام منظومة قيم متكاملة، لقد علمني هذا الموقف، واستفدت منه أكثر من استفادتي عشر سنوات بالسوربون «. إن هذا الموقف يبرز حقًا القيم الإسلامية الأصيلة في التسامح واحترام الآخرين بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية أو العرقية. وثيقة المدينة، التي أقرها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد هجرته عام 622م، تعتبر أول دستور مدني في تاريخ الدولة الإسلامية. هذه الوثيقة الدستورية لم تقتصر على تنظيم العلاقات بين المسلمين فقط، بل شملت أيضًا اليهود والمشركين في المدينة، مما يمنحها مكانة مميزة كأحد أوائل الوثائق الدستورية في التاريخ تجسيدا لروح التعايش بين الأفراد والمجتمعات المتعددة دينيا وثقافيا. ولذلك، فإن التجربة التاريخية للمسلمين لم تشهد إبادة جماعية أو حروباً استهدفت عرقاً أو ديناً. وحتى اليهود، عندما كان الاضطهاد أمرا معتادا بالنسبة لهم في جميع أنحاء أوروبا، كانوا يعاملون بشكل جيد في المجتمع الإسلامي، كما تشهد بذلك مؤرخة الأديان البريطانية كارين أرمسترونج» Karen Armstrong «في كتابها حقول الدّم. وكان هذا النهج جزءاً من سياسة التعايش المتعدد الثقافات التي انتهجها المجتمع الإسلامي، إذ عززت الشريعة الإسلامية مفهوم حماية حقوق الأقليات الدينية والثقافية، والحفاظ على الحياة الكريمة لها.