14 سبتمبر 2025

تسجيل

الرحمة بالرعية

01 يوليو 2016

إن أخطر الولايات وأهمها هي الولاية العامة التي يرعى فيها رجل أحوال أمة كاملة، فصواب هذا الرجل أو خطؤه سيعود بالنفع أو الضرر على شعوب كثيرة، وقد يستمر النفع أو الضرر في أجيالٍ متعاقبة، فالإنسان يخلص العمل لله تعالى طمعا في نيل الثواب والأجر وإننا في هذه الأيام المباركة أيام رمضان والتي فرض الله علينا صيامه والذي يعد عنوانا للإخلاص والقرب من الله تعالى ،فعندما يسطع شعاعه في النفس يزداد المرء قربا لله تعالى وأشد ما يكون تألقا في الشدائد المحرجة ،فإن الإنسان عندها ينسلخ من أهوائه ويبرأ من أخطائه ويقف في ساحة الله أوابا يرجو رحمته ويخاف عذابه ،ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الرعية الذين يأتمرون بأمر أحدهم في وضع ضعف معين يتطلب رحمة ورفقا من الراعي لهم والمتولي لشؤونهم، إنها المسؤولية الشاملة التي طوق بها الإسلام أعناق أبناء الحياة جميعا وجعلها فطرة سليمة أودعها في قلوب ولاة الأمور وألزمهم بها ،فلم تغادر منهم أحدا وجعل بمقتضاها الولاة مسؤولين عن تربية المجتمع تربية إسلامية دقيقة وتنشئتهم التنشئة الصالحة القائمة على مكارم الأخلاق أيا كان مستوى هذه الولاية، وما أروع الحديث الجامع الذي فصل فيه مسؤولية كل إنسان تجاه من يعول وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته فكلكم راع ومسؤول عن رعيته.... ) متفق عليه. فإن القلب المقفر من الإخلاص لا ينبت قبولا كالحجر المكسو بالتراب لا يخرج زرعا والقشور الخادعة لا تغني عن اللباب الرديء شيئا إلا ما أنفس الإخلاص وأغزر بركته أنه يخالط القليل فينميه حتى يزن الجبال وإذا خلا منه الكثير من العمل فلا يزن عند الله هباءة ،ويظهر أن تفاوت الأجور التي رصدت للحسنات من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة يعود إلى سر الإخلاص الكامن في خفايا الصدور وهو ما لا يطلع عليه إلا عالم الغيب والشهادة ،فعلى قدر نقاء السريرة وسعة النفع تكتب الأضعاف، وليس ظاهر الإنسان ولا ظاهر الحياة الدنيا هو الذي يمنحه من الله رضوانه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في وضع الضوابط التي تضمن استمرارية عملية العدل والرحمة بالرعية، فيحض الوالي على استصحاب بطانة الخير التي توضح له الرؤية بصدق وتأمره بالحق والعدل كما يجب على ولاة الأمور الرفق بالرعية والإحسان إليهم واتباع مصالحهم، وتوليه من هو أهل للولاية ودفع الشر عنهم وغير ذلك من مصالحهم لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله عز وجل، كما يجب على الرعية السمع والطاعة في غير المعصية والنصح للولاة، وعدم التشويش عليهم وعدم إثارة الناس عليهم وطي مساوئهم وبيان محاسنهم، لأن المساوئ يمكن أن ينصح فيها الولاة سرا بدون أن تنشر على الناس، لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يستفاد منه بل يزيد الأمر شدة فتحمل صدور الناس البغضاء والكراهية لولاة الأمور، فمن ربط حياته بهذه الحقائق فقد استراح في معاشه وتأهب لمعاده فلا يضيره ما فقد ولا يحزنه ما قدم ،وحرارة الإخلاص تنطفئ رويدا رويدا كلما هاجت في النفس نوازع الأثرة والأنانية بحب الذات والتلذذ بالثناء بين الناس وحب السمعة والتطلع إلى الجاه والرغبة في التصيت وحب العلو والإفتخار فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب.