16 سبتمبر 2025

تسجيل

الاستغفار والتوازن النفسي والصحي

01 يوليو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يُصرّوا على ما فعلوا، وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" صدق الله العظيم. الاستغفار يؤدي إلى تغيرات بيوكيميائية في الجسم؛ من بينها ارتفاع معدلات هرمون السعادة، حيث يشعر الإنسان بالطمأنينة وراحة البال، وأنه بحصانة الله سبحانه وتعالى. تصور أن عليك دَينًا لإنسان يطالبك به، ويهددك باللجوء إلى القضاء، فإذا أمهلك إلى أجل محدود، ماذا يكون شعورك حين تبحث عن المال فلا تجد؟ ثم تتوقع انقضاء المهلة، فيتعاظم الأمر عليك، وتبيت قلقًا على فراشك تناشد النوم فلا يجيء، تصور ذلك ثم زد خطوة تالية، فاحسب أن صاحب الدين قد جاءك ضاحكاًً، وأعلن أنه تنازل عن حقه، وأنك قد أصبحت طليقاً لا تتقيد معه بأداء حق ليس في يدك محتواه، فماذا سيكون أثر ذلك في نفسك؟ إنك لتشعر بطمأنينة، تمنع خوفك من اللجوء إلى القضاء، وستقضي نهارك هادئ النفس، مطمئن المشاعر، فإذا حان ميعاد النوم استسلمت إلى الرقاد دون أرق، وقضيت الليل في هدوء.. هذه الحالة تطابق تمامًا حالة من يقترف الذنب، إذ يظل في صراع متأزم، يخشى انتقام ربه، ويستعرض ما أسلف من جرم، فتسْوَدّ الدنيا في وجهه، وقد يُرى منفردا وحده، فيحسبه الناس هادئا لا يفكر في شيء، ولكنّ خواطره تتدافع في صورة محتدمة، كما يتدافع الموج حين يهب الإعصار في البحر.. وقد علم الله أثر هذه الأزمة النفسية على الإنسان، ففتح له باب الاستغفار ليقبل على الله طائعا نادما، يسأله الصفح ويرجوه المغفرة، فإذا علم أن الله يقبل التائب، فإن أزمته ستنفرج، وسيشعر بما شعر به المدين حين تخلص من أداء الدين فتهدأ خواطره، ويعود إلى واقع حياته بنفس منشرحة، وهدوء واثق، أما إذا لم تكن هناك مغفرة، فإن الندم ستضيق حلقاته، وإن القلق ليشرّد كل نسمة تهب، حتى ليصل المرء إلى الاختناق.. الاستغفار إذن باب من أبواب الصحة النفسية، وهو علاج حاسم يستأصل جذوراً من الشر تنمو وتتكاثف، حتى لتصير سداً يمنع منافذ الضوء، ولكي ينجح العلاج فلابد أن يؤخذ على وجهه الصحيح، فمن الناس من يشترون الدواء كما كتبه الطبيب، ثم لا يفيدهم شيئا حين يستعملونه على غير وجهه، بل ربما أدى إلى انتكاس يتضاعف معه الخطب، وتقع الكارثة.. والوجه الصحيح للاستغفار، أن تعتقد أنه نجاك من شر محقق، وأنه فرصة هيأها الله سبحانه وتعالى حين علم ضعفك النفسي، فعليك أن توازن بين نفسك قبل الاستغفار وبعده، كيلا تحاول الرجوع مرة ثانية إلى الخطيئة، فيكون الاستغفار منطلقا لسلوك صحي جديد، كما يقوم المريض من دائه، وقد صمم على أن يحافظ على صحته كيلا يتعرض لأزمة مماثلة.. أما إذا كان الاستغفار نطقا لسانيا لا يتغلغل إلى أعماق النفس، ولا يصاحبه العزم على التقوى، فهو عبث ساخر لا جدوى منه، فالتوقف عن الخطيئة هو علامة الاستغفار الصحيح، وبه يكون المستغفر قد اجتاز طورا رديئا من حياته، ليرتفع إلى طور جيد يمده بالرضا ويغمره بالارتياح.. والمستغفر الصادق يكون حريصا على الطاعة، أكثر ممن لم يقع في الخطأ، ويضطر إلى الاستغفار، لأن المستقيم الطائع بفطرته رجل هادئ النفس أسعدته الحياة بسلوك سار في دربه سيرا رتيبا، لا يشعر معه بإغراء شهوة، أو سلطان شيطان، أما الذي زلت قدمه ثم ندم على ما صنع، مستغفرا ربه، فإن له من سابقته ما يجعله حذرا من الارتداد إليها، فيظل خائفا يترقب، وانه ليتذكر زلته الماضية فيشعر بالنفور شعوراً يبتعد به عن أسبابها، وهذا الشعور الحساس من رحمة الله به، إذ إنه يمثل سورا عاليا يحميه من هجمات الأهواء! هذا إذا كان المستغفر صادقا، أما إذا كان مزعزع السلوك، فإنه سيكون ريشة في مهب الريح، ولن يجدي الاستغفار شيئا في علاجه، لأنه أضعف من أن يستجيب إلى عزيمة صادقة وإرادة حازمة! فهو كالمريض الذي يمنعه الطبيب عن أطعمة معينة تكون خطرا حقيقيا عليه، ثم لا يستجيب إلى ما أمر به، فيأكل ويأكل حتى يتعذر الإنقاذ ويحين الهلاك،