03 نوفمبر 2025

تسجيل

محبة المال (2)

01 يوليو 2015

ليس إثماً على الإنسان، أن يطلب المال ويسعى إليه، ويعمل من أجله، ولكنّ الإثمَ أن يطلبه من أبواب الحرام، ويأخذه مما لا يحلّ له، وأن يكون جشعاً طَمِعاً دنيئاً.وليس عيباً على الإنسان، أن يكون فقيراً مسكيناً، لا يملك شَرْوى نقير، ولكنّ العيبَ أن يكون بخيلاً شحيحاً وهو يملك القناطير.العجب كل العجب من حال أناسٍ مع المال، حين لم يدركوا الحقيقة فيه، ولم يعرفوا الغاية منه، فحمّلوا أنفسهم ما لا يطيقون في سبيل تحصيله حتى كادوا أن ينتعلوا الدماء، وهو أمر بينه لنا نبينا عليه الصلاة والسلام فقال: (يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لكَ يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!).وفي حديث آخر يهوّن عليه الصلاة والسلام من أمر ماديات الدنيا، التي يتفانى الناس سعياً خلفها، ويَنْهَجون جرياً وراءها، ويقاتل بعضهم بعضاً حرصاً عليها، موضّحاً أساسيات المعيشة الضرورية، التي في حال توفّرها لدى الإنسان تصبح حياته هادئة هانئة، بل كأنما ملك الحاضرة والبادية، لو حكّم عقله، واتبع دينه، وقَنِع ورضي بما قسم الله له، فقال: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عندَه قوت يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها).وما أحسنَ قول ابن الرومي مادحاً القناعة وكفاف العيش:مرحباً بالكفافِ يأتي عفِياً وعلى المتعبات ذَيْلُ العفاءِضِلّةٌ لامرئٍ يشمّرُ في الجمـ ـعِ لعيشٍ مشمّرٍ للفناءِدائباً يكنزُ القناطيرَ للوا رث والعمرُ دائباً في انقضاءِيحسبُ الحظَ كلَّه في يديه وهو منه على مدى الجوزاءِالجهل بما سبق، يجعل المادة غايةً للإنسان بحد ذاتها، يتعلق بها ويتهالك عليها، حتى يصير عبداً لها، وعند ذلك يستحق دعاء النبي عليه بالتعاسة، بكل ما فيها من شر وهلاك وشقاء، حين قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أُعطيَ رضيَ وإن لم يعطَ سَخِط...)، والدينار كناية عن المال الوفير، والدرهم كناية عن المال القليل، والخميصة هي نوع من الثياب، كناية عن حب المظهر والزينة، وهي صورة لإنسانٍ عبد المادة، كثيرها وقليلها، عَيْنِها وعَرْضِها، وما أقبحها وأشنعها من صورة، تُظهر الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وفضله على كثير مما خلق، وعلّمه بالعقل ما لم يكن يعلم، وسخر له كل ما في الكون لخدمته، وهو ما خُلق إلا لعبادته، في مظهر عبوديةٍ ذليلة حقيرة للدينار والدرهم، أو ممن يبذلهما له، وبِئْسَت من عبوديةٍ لمادة فانية وحطام زائل، وذَلّ وخاب وخسر من استعبدته. فاعتقوا أنفسكم من المال، يا عبادَ الكبيرِ المتعال، وانظروا وتأملوا في قول الحكيم، حين سُئل ما مالك؟ فقال: شيئان لا عَيْلةَ – أي لا فقر- عليّ معهما: الرضا عن الله، والغنى عن الناس. وقيل لحكيمٍ آخر: ما مالك؟ قال: التجمُّل في الظاهر، والقصدُ في الباطن، واليأس مما في أيدي الناس.