03 نوفمبر 2025

تسجيل

تحية رمضان

01 يوليو 2014

لا يهلُّ هلال رمضان، وتشع أنواره على أمة الإسلام، إلا ويرافق حلول هذه المناسبة العزيزة سيلٌ عرمٌ من المقالات والخطب، تذكّر الناس بمنزلة هذا الضيف الكريم، وتهيئهم لاستقباله، لكي يعدّوا أنفسهم، بما يجب عليهم، وينبغي لهم القيام به، من طاعات، وأعمالٍ صالحات، على سَنَن الهدى. ولعلّ من أهم ما يُذكر في هذا الصدد، قول رسول الله، عليه الصلاة والسلام: (إذا كان أول ليلةٍ من شهر رمضان، صُفّدت الشياطين ومَردة الجن، وغُلّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتّحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتقاء من النار، وذلك كلَّ ليلة).ولئلا يكون ما نقوله في شهر رمضان، كلاماً معاداً قد أعيد كثيراً، وشُرح طويلاً، حتى تشبّعت النفوس من سماعه، من عامٍ لآخر، ولم يعد بإمكان الخِطاب، أن يأتيَ بقولٍ فيه جديد، فيكون كلامنا تكراراً لكلامٍ قد قاله غيرنا، ومن ثم ندفع قارئنا على الملالة، أو ترك قراءة ما نكتب، لابد لنا من علم شيئين، حريٌ بنا أن نفطن لهما..الشيء الأول: أنّ ما نكون عليه من تحرّي قدوم رمضان، وأُهبة الاستعداد لمجيئه، التي تجعلنا نستأنس ونفرح لمقدمه، لا ينبغي أن تكون لشيءٍ، إلا لأن رمضان فرصة زمنية يجود بها عمر من كتب الله له البقاء ليشهدَ رمضان، وهو ما كان فرصةً ثمينة، إلا لأن فيه تكفير السيئات، ومضاعفة الحسنات، والعتق من النيران، والمفرط المُهمِل، من لا ينتهز هذه الفرصة، ويغتنمها بالعمل، ألا كأنما رمضان يصيح قائلاً: يا من تريدون النجاة والخلاص، هأنذا قد أتيتكم، فأنيبوا إلى اللهِ ربكم.الشيء الثاني، الآكد علماً، أن رمضان ما استمد مكانته الشريفة الكريمة، إلا بسبب الحدث الذي وقع فيه، وهو نزول القرآن العزيز، مما يشعرنا بضرورة رجوعنا إلى كتاب الله في رمضان، وتقوية صلتنا به، تدارساً واستظهاراً، وتدبراً وفهماً، ليكون لنا من بعدُ منهج حياة، خُلقاً وعملا، هذا هو المطلب المقصود، والغرض المنشود، لا مجرد التنافس فقط في عدد مرات ختمه، ختماً يُهذْرِمُ به اللسان، دون أدنى أثرٍ يعود على قارئه، ودون نتيجة يخرج بها من تلاوته، ودون أي التفاتٍ إلى ما في القرآن من معانٍ سامية، يُنتفع بها، ترتقي بالروح من جانبيها الإيمانيّ والإنسانيّ.. ألا كأنما رمضان يقول لنا: أنا الزمن الشريف الذي اُنزل فيّ القرآن، فأقبلوا فيّ على كتابكم، وعودوا للتمسك به، يرحمكم الله ربكم.يا من امتنّ الله عليك، بأن بلّغك رمضان، إن تلك نعمة توجبك شكرها، ومنحةٌ ربانية تُهديك خيرها، وإن أدب الخُلُق يفرض عليك استقبالها بالحمد والتوبة، حمداً يُدرك قيمة وشرف النعمة المحمودة، وتوبةً تستدعي طيّ صفحة قد لوّثت واسودّت بالخطايا، مدة عامٍ مضى، لِتُنشَرَ لك صفحةٌ بيضاءُ طَهور، تحيا بها من ربك على نور.. ألا كأنما رمضان يقول واعظاً: إنما أنا شاهد حق، إما لكم وإما عليكم، فاتقوا الله ربكم.فكّرت في تحيةٍ أحيي بها شهر رمضان الفضيل، وهلاله الميمون، فلم أجد خيراً من التحية التي نظمها قصيدةً، الشاعر والأديب مصطفى صادق الرافعي، ناصحاً للمسلمين، لافتاً إلى ما يجب عليهم في شهرهم، فقال رحمه الله:فديتُكَ زائراً في كلِّ عامِتُحيّا بالسلامة والسلامِوتُقْبِلُ كالغمامِ يَفيضُ حيناًويبقى بعدهُ أثرُ الغمامِوكم في الناسِ من دَنِفٍ مَشوقٍإليكَ وكم شجِيٍّ مُستهامِولم أرَ قبلَ حُبّكَ من حبيبٍكفى العشاقَ لوعاتِ الغرامِبني الإسلامِ هذا خيرُ ضيفٍإذا غَشيَ الكريمُ ذُرى الكرامِيلمُّكمُ على خير السجاياويجمعكمْ على الهِمَمِ العِظامِفشدّوا فيه أيديكمْ بعزمٍكما شدَّ الكَمِيُّ على الحُسامِوقوموا في لياليه الغواليفما عاجَت عليكم للمُقامِوكم نَفَرٍ تغُرُّهمُ اللياليوما خُلقوا ولا هي للدوامِوخلُّوا عادةَ السفهاءِ عنكمفتلك عوائدُ القومِ اللئامِيُحلِّونَ الحرامَ إذا أرادواوقد بانَ الحلالُ من الحرامِومن روَّته مُرضعةُ المعاصيفقد جاءتهُ أيامُ الفِطامِ