12 سبتمبر 2025
تسجيلالأجيال التي تنشأ وسط الحروب تكتسب كثيرا من المؤثرات السلبية التي تستمر معها طوال حياتها، وتشوش على براءتها، وليس صحيا أو سلسا أن ينشأوا في ظروف ضاغطة تمنحهم وعيا مبكرا وسلبيا بما يجري حولهم، فذلك الوعي ينبغي أن ينضج على نار هادئة ومنطقية تجعلهم يدركون الأشياء وتغيرات الحياة برؤية سليمة توازن بين السلبي والإيجابي، أما أن ينفتحوا مبكرا بما يفوق طاقتهم العقلية، فذلك مؤشر غير جيد يوهم بنضج فيما هو احتراق لإنسانيتهم.في كثير من مواطن الصراعات تميل جهات وحركات مسلحة إلى استيعاب الأطفال لأجندتها وسلوكياتها القتالية دون مسوغات أخلاقية لذلك، وهذا يصادر حقهم في الحياة والنمو الطبيعي والتمتع بكل تفاصيل حياتهم التي تتدرج في تنشئتهم ابتداء من الأسرة المستقرة والحاضنة التي تغرس فيهم بذرة الأخلاق والفضائل، ثم دخولهم المراحل التعليمية، بدءا من رياض الأطفال والتعليم الابتدائي، في مسيرة طبيعية تمنحهم حقوقهم كاملة، ولا تختطفها مع اختطافهم في سعير الحروب والصراعات والموت والدمار.في سوريا التي تعيش صراعا مستمرا منذ ثلاثة أعوام، يتم تجنيد الأطفال لأعمال العنف هناك، وأيّا كان الطرف الذي يقوم بذلك فمن الضروري أن يتوقف عن هذا الفعل غير الإنساني، فهؤلاء الصغار إن لم يجدوا الأمن والأمان، فلا أقل من أن نجنبهم ويلات الحروب والصراعات وليس أن نجعلهم جزءا من وقودها وندمر براءتهم معها، فنفقد حاضرا ومستقبلا.وليس أقل سوءا من عمليات التجنيد القسرية، ذلك التشرد الذي لا يحصلون معه على مأوى كريم أو عمل شريف أو فرص تعليمية، وذلك على نسق ما أشارت إليه إحصاءات دولية، بينها تقرير لمنظمة العمل الدولية من أن نحو 50 ألف طفل سوري يعملون بلبنان في ظروف صعبة ولساعات طويلة يتعرضون خلالها لشتى أنواع المخاطر، وذلك بغية إعانة عائلاتهم، ويتركز عملهم في الشوارع والمتاجر على حساب التحاقهم بالدراسة، وتقول الدراسات إن 30% فقط من هؤلاء الأطفال يتابعون تحصيلهم العلمي.تداعيات هذا الواقع المأساوي والكارثي بمثابة قنبلة نووية في وسطنا الاجتماعي، وتضيق فرصنا في التطور والنمو والتنمية، ولذلك من الضروري أن تبرز مبادرات إنسانية عربية مستقلة محايدة تخاطب جميع الأطراف ذات الصلة بحال هؤلاء الأطفال للتواثق والتوافق على ميثاق شرف أخلاقي يمنع استهداف الأطفال بأي تصرفات تعوق نموهم الطبيعي وتجنبهم نتائج ومترتبات الصراع وتوفر لهم الملاذ المثالي الحاضن لهم، حتى لا يحترقوا في هذا الجحيم.