15 سبتمبر 2025
تسجيلالقرآن له خصوصية واتصال عظيم برمضان، ففيه أُنزِل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من رب العالمين؛ ولذلك فإن تلاوة القرآن فيها فضائل حسنة ومزايا عظيمة من شفاعة في الآخرة، وكثرة الحسنات، ورِفعَة الدرجات، وزيادة اليقين، وانشراح الصدر، وشفاء من الأسقام، واطمئنان الروح، وجلاء الهموم والأحزان في الدنيا، وبصيرة في الدين وفُرقان في المشتبهات، ورفعة في الدنيا. وغير ذلك الكثير من الفضائل التي ينعم بها من يقرأ القرآن ويحافظ عليه.وقد كان من هدي السلف -رضوان الله عليهم- الحرص على ختم ومدارسة القرآن في رمضان، تأسِّيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا أقبل رمضان عكفوا على القرآن دون غيره من العلوم، حتى أهلُ الحديث كانوا يتوقفون عن التحديث ويتفرغون للقرآن، فقد روى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهدا كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء. "التبيان" للنووي (ص/74) وقال: إسناده صحيح.وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة. "السير" (10/36).فوالله إنها تجارة، وما أعظمها من تجارة لا تبلى أو تفنى أو تفسد! تجارة تربح دائمًا، فقد قال الله -تعالى- "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ" [فاطر:29]. فعلى كل حرف تقرؤه تنال ثوابًا، فلا نقول: (الم) حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، فعلى كل حرفٍ حسنة وكل حسنة تعادل عشرة أمثالها والله يضاعف الحسنات إلى سبعمائة ضعف لمن يشاء.وينبغي للمسلم أن يجعل له وِردًا من القرآن من ليل أو نهار، سواء كان ذلك داخل صلاةِ النفل أو خارجَها في رمضان أو غيره، ولكن فلنجعل رمضان بداية لا تنقطع -إن شاء الله- فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا» رواه مسلم.وقد كان الصحابة يواظبون على قراءة حزب معين كل ليلة وآثارهم كثيرة في هذا الباب. ولم يرد في الشرع قدر محدَّد من السور أو الآيات يقرؤها المسلم كل ليلة أو يوم، وقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- الحزب ولم يقيِّده بقَدْر فقال: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» رواه مسلم. فلا بأس للإنسان أن يحدِّد وِرْده من باب التنظيم والاجتهاد في الختم وإن نشط في بعض الليالي طوَّل القراءةَ، وإن كسل قصَّرها كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل.واجعلوا قراءتكم حصادًا للثواب، وعملًا بأحكام الإسلام وتعاليمه حتى تتم الاستفادة القصوى من القرآن، فالقرآن كتاب يُقرأ ويُتَّبع في العمل به قبل القراءة. والقرآن نور في وجه قارئه، فما بالك بقراءته في ذلك الشهر الكريم، والحرص على ختمته مرة أو أكثر قدر استطاعتك.