14 سبتمبر 2025
تسجيلفي غضون ثلاث ساعات وحسب، تبرع القطريون بثمانية ملايين دولار تقريبا لصالح متضرري الحرب في سوريا واليمن، عبر حملة نظمتها مؤسسة خيرية قطرية في الأيام الأخيرة لشهر رمضان المبارك هذا العام بعنوان "تحدي ليلة 27". ومثلما فعل القطريون، وفي نفس الوقت، تبرع كويتيون كثر لصالح حملة أطلقتها وزارة الشؤون الكويتية بعنوان "فزعتكم" لدفع ديون الغارمين، فكانت الحصيلة أكثر من 11 مليون دولار. أما السعوديون فقد كان يغلقون في كل ليلة من ليالي رمضان المبارك حالات كثيرة من حالات الغارمين والمعسرين التي تعلن عنها الدولة في نظام معد للتبرع أيضا، بملايين الدولارات. والحال لا يختلف عن بقية دول الخليج. ورغم أن أرقام هذه الحملات الضخمة تناقلتها وسائل الإعلام العالمية بكثير من التعجب إلا أن الخليجيين معتادون على هذا النوع من الإنفاق من باب الزكاة والصدقات والمساعدات في رمضان وغير شهر رمضان، ما يعكس طبيعة العطاء الجميلة لأهل الخليج والتي تغيب كثيرا في الإعلام لعدة أسباب منها تحفظ المتبرعين والمتصدقين الخليجيين على إعلان تبرعاتهم وتصدقاتهم على الصعيد الفردي، وهي صفة محمودة فعلا. أما على الصعيد العام فينبغي إبراز مثل هذه التبرعات لأنها واحدة من وسائل تحسين جودة الحياة وإشاعة الخير بين الناس. والأرقام تقول أن دول الخليج العربية تعد من أكثر الدول في العالم إنفاقًا على العمل الخيري والتنمية الاجتماعية قياسا الى حجمها وعدد سكانها. وتعكس هذه الجهود الدائمة التزام تلك الدول بتقديم الدعم للمجتمعات المحلية والدولية، وتحسين جودة الحياة للأفراد في جميع أنحاء العالم، وقد ظهر ذلك في أكثر من مناسبة دولية. ورغم أن كثيرين ينظرون لمثل هذه المبادرات الدولية باعتبارها أداة من أدوات السياسة العامة إلا أننا نستطيع تجذيرها تاريخيا واجتماعيا على صعيد الافراد. إن العمل الخيري هنا يمثل جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية والثقافية، ويشمل العديد من المبادرات الخيرية والأعمال الإنسانية المتنوعة. ويمتد نطاقه إلى جميع المجالات، بما في ذلك التعليم والصحة والأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية، إضافة إلى دعم الفئات الضعيفة والمحتاجة في المجتمعات المحلية والدولية. ومع ذلك، فإن هذا العمل يواجه الكثير من التحديات التي تؤثر على جودة وفعالية تلك المبادرات. وتشمل تلك التحديات عدم الشفافية في التمويل والإدارة، وعدم توفر الكفاءات الإدارية والتنفيذية المناسبة، والتحديات القانونية والتنظيمية، إضافة إلى تحديات تقنية وتحديات في مجال التواصل والتسويق، وإن كانت بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية الخليجية قد حققت في السنوات الأخيرة تقدما كبيرا حيث تخلت عن الأساليب التقليدية في الإدارة وطرق جمع الأموال وإدارتها وتنميتها وتوظيفها وتوزيعها في الداخل والخارج، إلا أن هناك الكثير منها ما زال تقليديا في عمله ما عرضه لمطبات وحملات تشكيك في الداخل والخارج. ورغم أن التشكيك ظالم للجهود المبذولة من قبل العاملين في هذه الجمعيات إلا أن الامر لا يخول من استثناءات قليلة من الواضح أن التشكيك بعملها في محله وخصوصا عندما يكون المشككون هم الفئة المستهدفة بالعمل الخيري، فهم الأدرى غالبا. ومن أجل الحفاظ على العمل الخيري عموما وعلى فعاليته وسمعته الطيبة، التي تعرضت في السنوات الأخيرة لبعض الشوائب، وتحسين جودة وفعالية المبادرات الخيرية، ينبغي تعزيز الشفافية والمساءلة في التمويل والإدارة، وتطوير الكفاءات الإدارية والتنفيذية، وتحسين الإطار التنظيمي والقانوني المتعلق بالعمل الخيري ككل. كما يتطلب الأمر أيضًا تطوير استراتيجيات تسويقية وتواصلية فعالة، وتبني التقنيات الحديثة في تحسين جودة وفعالية المبادرات الخيرية. فالعمل الخيري كان دائما يعكس القيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة التي تنبع من التراث الثقافي والديني لبلداننا، ويشكل جزءًا من الهوية الوطنية لنا، وبالتالي، يجب علينا جميعا المساهمة في الحفاظ على فكرة العمل الخيري وتنميتها كجزء لا يتجزأ من الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية. ومن خلال الحفاظ على هذه الفكرة وتطويرها، يمكن لدول الخليج أن تعزز قيمها الإنسانية وتحقق التنمية الشاملة والمستدامة في المنطقة والعالم بأسره. @saadiahmufarreh [email protected]