18 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا انتظر العالم هجوم الوباء ليدرك أنه أخطأ الطريق؟ "تونس نموذجاً"

01 مايو 2020

تختلف نظرة المؤرخ الثاقبة وتقييمه الموضوعي عن نظرة الصحفي الآنية وتقييمه الإعلامي السريع، لأن العالم بخفايا التاريخ والفقيه المتعمق في الأحداث هو الذي يستعمل أدوات العلوم الإنسانية ليحلل بها الواقع فيستشرف المصير بعيون المفكر الأمين الذي لا تغره الأيديولوجيات ولا تنحرف به الانتماءات السياسية أو الحزبية أو المصلحية وهو ما اهتدى إليه في القرن الخامس عشر م العلامة عبدالرحمن بن خلدون فهو الذي سمى كتابه الموسوعي الرائد المعروف بالمقدمة (بكتاب العبر)، وقديماً قال الإمام علي كرم الله وجهه: "ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار!" السؤال اليوم ونحن في حرب كونية ضد الوباء الكوروني هو: "لماذا أدركت النخب الحاكمة والمثقفة والواعية أن الوقت حان لتغيير منكر النظام العالمي الاقتصادي والمالي والثقافي والبيئي (المعروف اختصاراً باسم نظام (بريتن وودس) ومركزه هو تجمع المائة شركة عملاقة العابرة للقارات المستقرة جميعاً في حي مانهاتن بنيويورك نفس مركز البورصة المالية الأقوى في العالم (دو جونس) التي تعتمد عليها مؤسسة (وول ستريت) المالكة مباشرة أو عن طريق أذرعها المنتشرة في القارات الخمس لـ 80% من ثروات العالم ما هو تحت الأرض كالطاقة والمعادن النفيسة واليورانيوم والذهب والألماس وما هو فوق الأرض من عقارات وشركات قابضة وأصول تجارية وشبكات فنادق، بالإضافة إلى ما هو افتراضي كأرصدة البنوك الكبرى (أكبرها ايتش اس بي سي) وشركات التأمين (أولاها لويد) وطبعا ما هو المركز الرئيس للاتصالات في العالم مثل (غوغل ومايكروسوفت وأبل). هذه القوة الخارقة والسرية هي نادي الكبار وهي المتحكمة في أنظمة حكم الأمم تصعد إلى السلطة من تشاء ومن تختاره لخدمة مصالحها العليا في كل دول الأرض حسب فلسفتها الماسونية المتطرفة (التي لا تعترف لا بدين ولا بأخلاق وشعارها هو نخبة من المختارين يجب أن يسيطروا على شتات الأمم ويخضعوهم بالقوة الناعمة أو القوة القاسية) ودائماً تحت ستار (أو قناع) الديمقراطية وحرية اختيار الشعوب لمن يحكمها، أي زرع أوهام الحرية لتخدير الجماهير وجعلها تعتقد أنها تختار ما هو في الحقيقة مفروض عليها من (منهاتن) عندما يتفق أعضاء النادي العملاق على أن حزباً أو شخصاً أو دستوراً هو الذي يجب (وجوباً) أن يمسك بالسلطة في هذا البلد أو ذاك من العالم أينما كان وكيفما كان نظامه أو مستوى ثقافة أو وعي شعبه! أحدث مثال أمامي اليوم هو تونس التي دشنت عصر الربيع العربي وثار شبابها على الاستبداد وطالب بحقوقه الأساسية: "تشغيل حرية كرامة" وسقط 400 شهيد من خيرة شباب تونس، واعتقد الناس أن الثورة نجحت وأن الجماهير ستفتك حقوقها السليبة لكن الذي حدث كان أغرب من الخيال ويؤكد أن مصير الشعوب ليس في أيديها! الذي حدث في تونس أن الشعب اليوم يتغنى بما سماه (حرية التعبير) وهي حقيقة لا شك فيها، لأن تلك الحرية هي "الطعم" الذي وضعه الأقوياء في السنارة لصيد السمكة السمينة الغبية ووضعها في سلة الغنائم! الذي حدث أن شعب تونس صباح يوم انتصار ثورته 14 يناير 2011 حكمه الرئيس المؤقت فؤاد المبزع الرجل الذي لم يغب عن السلطة منذ الاستقلال وشغل منصب رئيس البرلمان المدلس تحت بن علي وكان مديراً للأمن عام 1967 في عز القمع لكل حركات المعارضة السلمية مثل حركة (آفاق) اليسارية أو البعثيين أو حتى الدستوريين المعتدلين! نعم هذا الرجل ترأس جمهورية الثورة ثورة الشباب وهو في الثمانين ثم جاء بعده أحد المعارضين لا بالانتخاب بل بالتوافق هو منصف المرزوقي ولم يكن رجل دولة بل مناضلا صادقا من أجل حقوق الإنسان وفي عهده وقع تسليم البغدادي المحمودي لجلاديه الليبيين وهي سابقة في تاريخ تونس المعروفة بإجارة المستجير، ثم فتح الباب بعده لسياسي قديم في التسعين هو الباجي قايد السبسي الوزير منذ 1956 ووزير الداخلية ومدير الأمن عام 63 ثم وزيرا للخارجية ثم أيضا رئيسا لبرلمان بن علي واستعان بالحركة النسائية المناهضة للهوية ليصل إلى الرئاسة بمباركة الآلة الغربية والعربية الميالة لصفقة القرن النشيطة بإعلامها ودبلوماسيتها وتأثيرها بينما الشباب التونسي ظل يتغنى بحرية التعبير (المحدودة...) ويعتبرها كسبا عظيما وفي الحقيقة هي التي هبطت بالحوار السياسي إلى الابتذال وأدت اليوم بالبرلمان إلى الإسفاف وممارسات الصعاليك تحت قبته بدعوى أن البرلمانات في العالم هي ساحة الوغى واللكمات وأدت بالقنوات التلفزية إلى البذاءة وترذيل الأسرة عبر مسلسلات غسل العقول وتدمير القيم! ودائما (تحيا حرية التعبير) لكن البلاد استقر فيها فساد خفي أو ظاهر لم يسبق أن عرفته تونس! وتصور الناخبون عام 2019 أنهم غيروا هذا المنكر بانتخاب أستاذ قانون نظيف من خارج الأحزاب لكن هذا الرجل المنتخب اختار لهم رئيس حكومة من السرايا التقليدية للحكم منذ 1956 رغم أنه شاب ومتنور! هل يفيق العالم أن نظامه فاسد لأنه أنتج الكورونا بسبب إهمال التوازن البيئي وانتشار الظلم الاجتماعي وتعميم الديكتاتوريات وشرعنة الموت جوعا (6 ملايين سنويا يموتون جوعا في عالم متخم.. منهم 3 ملايين طفل من ملائكة البراءة) تونس أخذتها نموذجا لتوضيح تحليلي المتواضع وتأكيد أنه حقيقة لا بهتان وطبعا ما جرى في تونس جرى مثله في مصر بشكل أفدح وبـ 4000 شهيد تحت حكم العسكر وفي اليمن بصورة مروعة وفي سوريا فاجعتها مستمرة إلى اليوم وفي ليبيا بحرب أهلية. [email protected]