16 سبتمبر 2025
تسجيليطلُ علينا الأزرق الكالح أينما طرفنا بأعيننا ، يحتضن أجساد الأطفال ، وتلبسه النساء والرجال ، يتدلى أمامنا كستائر تارةً ، وتارةً أخرى يتحول الى حقائب وأحذية وإكسسوارات ، يجتاح العالم كأكثر ما يرتديه الناس في قارات العالم الست؛ حتى يكاد أن يكون زياً موحداً يلبسه الناس دون ضيق أو تذمر ، وقد أصبح بدون مقدمات رمزاً للحداثة والأناقة رغم أنه كان لدى أول ظهوره لباس عمال المناجم في أمريكا ، وإذا به يدخل ضمن ما يسمى بالهوت كوتور أو فساتين السهرات الفاخرة بعد أن ُزين بالتطريزات وأضيفت له الدانتيلا . ولم يدر بخلد الأمريكي ليفي ستروس سنة 1873عندما صنّعت شركته قماش الجينز أول مرة (هذا الذي ابتكره وعرضه عليه جيكوب ديفيس) ، وهو يفكر حينها بقماش مستوحى من رعاة البقر الأمريكيين ، إن منتجه هذا سيكتسح العالم ويسيطر على ذوق مليارات البشر ، ولدى كل شخص منهم سبب ليفضل الأزرق الكالح على ما عداه من ملابس . فهل للجينز كل هذه الشعبية الطاغية بسبب متانته أم بسبب تحمله للأوساخ التي قد تعلق أثناء العمل وعدم حاجته للكي وهو القماش الذي ارتبط بالعمال عند انتشاره لأول مرة أم لأسباب أخرى ؟ و قد وجد رواجاً في حقب متتالية بعد أن تحول من مجرد بنطلون يرتديه رعاة البقر الأمريكيون الى رمز للتمرد على الطبقية وحياة الرفاهية ومرادف للديمقراطية وحركات التحرر التي سادت أمريكا في الستينيات من القرن العشرين، حيث انطلق عشرات الآلاف من المتظاهرين من طلاب الجامعات في الشوارع يرتدي كثير منهم البنطلونات الجينز ، ليغدو فيما بعد رمزاً أمريكيا سرعان ما تلقفه العالم مثل الهمبرغر والكنتاكي وأفكار الثراء السريع وأفلام الأكشن وموسيقى الروك أند رول ، وليصبح رمزاً للحياة الأمريكية التي يصبو معظم سكان البسيطة للعيش بأسلوبها السريع والمتغير .