13 سبتمبر 2025

تسجيل

بين قطر وشقيقتها تونس

01 مايو 2013

تتشكل في بلدان الربيع العربي حركات مريبة ومنظمة لشيطنة السياسة القطرية إزاء شقيقاتها العربية وهي حركات ليست عفوية لأنها تعتمد التضليل وإشاعة الأراجيف ضد دولة كانت مهدا لعديد الاتفاقات والمواثيق التي أنهت الصراعات العربية القديمة وأحلت الوفاق محل الأزمات وجنبت العالم العربي مصائب الحروب الأهلية فكانت الدبلوماسية القطرية وراء السلم الأهلية في لبنان والسودان وبين الإخوة الفلسطينيين وكانت دولة قطر وراء إعادة إعمار الكثير من المناطق العربية المتضررة من العدوان وفي تونس كانت هي الدولة الأولى التي اعترفت بالثورة وإرادة الشعب التونسي. ويسعى البلدان اليوم لإعادة مشاريع التعاون الثنائي التي ستشغل العاطل وتيسر الحياة للتونسيين في كنف احترام السيادة التونسية والخيارات الوطنية. قصتي الشخصية مع دولة قطر طويلة وتعود إلى سنة 1977 حين كنت أشتغل مع المرحوم عزوز الرباعي في مؤسسات النشر وقمت بمعية الرباعي بزيارة الدوحة وكانت في مطلع استقلالها للمشاركة في المعرض العربي للكتاب وأعدنا المشاركة سنويا لأن وزارة التعليم القطرية آنذاك وكان وزيرها سعادة الشيخ محمد بن حمد آل ثاني أمد الله في أنفاسه كانت تقتني منا أصنافا عديدة من الكتاب المدرسي وكتب الأطفال والكتاب الأدبي وفي الدوحة تعرفت على كثير من المنفيين العرب الذين آوتهم قطر وأكرمتهم ومنهم الكاتب السوداني الكبير الطيب صالح صاحب (موسم الهجرة إلى الشمال) ونخبة من زعماء الإخوان المسلمين الذين كان يطاردهم النظام الناصري والنظام الأسدي في مصر وسوريا أمثال الشيخ يوسف القرضاوي ود. جمال عطية ود. عبد العظيم الديب الذي كان مسجونا في نفس زنزانة الشهيد سيد قطب والذي تفضل بكتابة مقدمة كتابي (نحو مشروع حضاري للإسلام) وكذلك الإخوان السوريون أمثال أصدقائي الخلص الشيخ مصطفى الصيرفي والأستاذ محمد عبيد حسنة ود. عدنان زرزور ود. حسن هنداوي وسواهم ثم عندما تولى صديقي المرحوم محمد مزالي رئاسة الحكومة وكنت مسؤولا سياسيا أعاضده اتجهنا لدول الخليج العربي سنة 1982 وفتحنا معها جميعا قنوات تشغيل كوادرنا التونسية بعد غلق باب أوروبا نهائيا فيما سماه رئيس فرنسا جيسكار ديستان بالهجرة صفر (بمعنى إيقاف الهجرة إلى أوروبا نهائيا) وذلك بشكل تعسفي فاستقر عشرات الآلاف من التوانسة في دول الخليج وفي قطر بالذات التي كلما قابلت أميرها الحالي وعندما كان وليا للعهد يقول لي: إن التوانسة يتميزون بالأمانة والكفاءة. وعندما بدأ نظام الزعيم بورقيبة يتهاوى بمؤامرات بن علي وغرق بورقيبة في لجة الهرم والمرض أقيل مزالي من رئاسة الحكومة فررنا بجلودنا من تونس إلى باريس وأنا شخصيا حماني سمو الشيخ حمد وآواني وكنت مطلوبا لدى إنتربول (أطول مدة قضاها مضطهد تونسي تحت تهديد إنتربول هي مدتي أنا أي 13 سنة) حين كنت مع زوجتي وأولادي في المطارات خلال الترانزيت أتوقع أن يلقى علي القبض في كل لحظة. وبالفعل وقع إيقافي في باريس في أغسطس 1992 وأدرك القضاء الفرنسي العادل أنني ضحية لكيد النظام وأدركت كذلك دولة قطر أنني من بين آلاف المضطهدين العرب المحرومين من أوطانهم بلا وجه حق (ولا أية دولة عربية على الإطلاق قامت بهذا العمل) ثم في الدوحة أسهمت بقسطي الأكاديمي في تأسيس قسم الإعلام بجامعة قطر وتأسيس قناة الجزيرة الرائدة ويعرف العرب مدى الثغرة الكبيرة التي فتحتها الجزيرة في جدار الدكتاتوريات العربية وتكلم منها وفيها مئات المثقفين العرب الشرفاء والذين لم يكونوا معروفين لدى الرأي العام ونضجت في الجزيرة وبفضلها التغييرات العميقة التي زلزلت الاستبداد العربي منذ 1996 ثم إنني بحكم معرفتي للدبلوماسية القطرية أعتقد أنها دبلوماسية جريئة ومنحازة لإرادة الشعوب وهي ظاهرة تبدو فريدة في عالم عربي تعود على الاستبداد وتأليه الحاكم المنقذ. فالجزيرة ظاهرة حضارية ويعود بعض الفضل لها في تحرير الإعلام العربي والعالم العربي وكان لا بد أن تتشكل ضد القناة وضد دولة قطر مواقف متباينة وأن تسعى القوى الشريرة المنهارة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا إلى تأليب الرأي العام ضد هذه الدولة التي كرست مواردها لخدمة شعوب العرب وليس لفرض حكامها المستبدين ملبية نداء الواجب في كل البلدان العربية والإفريقية لإعانتها على كسب رهانات الحرية والتنمية ثم إن قطر لو كانت أنانية وهي صاحبة أعلى دخل سنوي خام في العالم ما كان يضرها لو انتهجت نهج سلطنة بروناي وسلك الشيخ حمد مسلك السلطان بلقية فابتعد عن كل هم عربي ونأى بشعب قطر عن كل معضلة عربية فساعتها سوف لن يذكرها الناس لا بخير ولا بشر وستظل قطر تنعم وحدها بما وهبها الله من طاقات لكن القيادة القطرية اختارت سبيلا مختلفة فاعتقدت قطر عن حق أن الله تعالى وضمير أميرها يحملانها رسالة مد يد العون لكل عربي محتاج للنصرة فتمتعت آلاف العقول العربية بمنح بحث لمواصلة الابتكار والاختراع في كنف المؤسسة الرائدة التي أسستها سمو الشيخة موزا وسكنت آلاف العائلات العربية مساكن لائقة وحفرت الجمعيات الخيرية آلاف آبار المياه ومدت آلاف الكيلومترات من الطرقات الريفية وأسست المستشفيات والمدارس. وأنا أعرف سمو الشيخ حمد منذ أن كان وليا للعهد وطالما سمعته يتحدث بمرارة عن مساجين الرأي والملاحقين العرب والمحرومين من حقوقهم وكذلك عن عقم مجتمعات الاستبداد عن العطاء والتقدم جاعلا منها قضيته الشخصية ثم إن كل عربي حر في تقييم سياسات قطر وسياسات كل دولة عربية لكن السقوط السطحي في اتباع لهجة الشتيمة ليس من أخلاق التونسيين ولا يخدم إلا أعداء الحرية وفلول الاستبداد.