13 سبتمبر 2025

تسجيل

الغباء البشري و الأبواب القاتلة

01 أبريل 2015

أستسمح القراء الكرام أن آخذهم من أيديهم لحظات لأبتعد بعقولهم قليلا عن السياسة بمفاهيمها الراهنة الدموية لأحدثهم عن إرهاب مجهول لا يذكره الناس وهو إرهاب من نوع مختلف ، أعدم هذا الأسبوع 150 ضحية بريئة في حادثة سقوط طائرة (لوفتهانزا وينجز) بين برشلونة و دوسلدورف. وهو ليس إرهابا دينيا و لا طائفيا ولا سياسيا بالمرة بل هو إرهاب ناتج عن الغباء البشري ! و لولا الغباء البشري لما لقي 150 مسافرا آمنا مصير القتل البشع على قمم جبال (الألب) يوم الأربعاء الماضي ! الغباء هو الذي قتل الضحايا و السبب المرجح و شبه الأكيد أن الباب المصفح الذي يفصل بين قمرة القيادة و كابينة المسافرين لم ينفتح حينما غادر قبطان الإيرباص مقعد القيادة لقضاء حاجة بشرية ثم عاد فوجد هذا الباب مغلقا و إغلاقه تقرر بقانون جديد سنته المنظمة الدولية للطيران المدني بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 و التزمت كل الشركات الجوية بهذا القانون و أغلقت أبواب القمرات بطريقة محكمة لكنها نسيت أمرا مهما محتمل الوقوع وهو الذي حصل للطائرة المنكوبة وهو أن الرجل الثاني الذي يبقى على مقعد القيادة يمكن أن يصيبه مكروه من نوع وعكة صحية أو مجرد غيبوبة عابرة أو لوثة عقلية (كما حدث بالفعل للطائرة المنكوبة) فلا يستطيع أحد فتح الباب الملعون لسبب من هذه الأسباب فيكون مصير كل المسافرين في طرفة عين عرضة للكارثة وهو ما حدث فعلا و علمنا أن مساعد القبطان وهو شاب ألماني اسمه (أندريا لوبيتس) امتنع عن فتح الباب فلم يلتحق القبطان بمقود الطيارة و حرك (أندريا) بعد ذلك أجهزة الهبوط بينما كان القبطان يحاول تهشيم الباب بفأس بلا نتيجة! معضلة الغباء البشري أن كل مسؤولي المنظمة الدولية للطيران المدني وكل مسؤولي شركة (لوفتهانزا) لم يتوقعوا إمكانية حدوث فاجعة إذا ما أصبح فتح هذا الباب مستحيلا ! و إذا ما بقي واحد فقط بمفرده مسؤولا عن أرواح 150 مسافرا أو أكثر ! نعم هو الغباء الذي أحدثكم عنه اليوم. إن الذين يعتقدون أن الإنسانية بلغت درجات عليا من الذكاء في هذا العصر بفضل التقدم التكنولوجي المذهل هم مخطؤون وواهمون لأننا في عديد المجالات تأخرنا و لم نتقدم و تقهقرنا إلى الوراء بل و أصبح الغباء ثقافة عامة نشترك فيها جميعا دون أن نفكر وهي ثقافة تعود بنا إلى ما قبل التاريخ و نحن غافلون! أبدأ معكم سرد مسلسل الغباء بقصة (حقيبة السفر) التي يحملها كل مسافر من المطار إلى محطة القطار و إلى الفنادق و أثناء الإجازات اسألوا آباءكم و أمهاتكم يقولون لكم كنا طول العمر نحملها بالأيدي المتعبة وهي ثقيلة وهي نفس الحقائب التي تشاهدونها في الأفلام أبيض و أسود! ظللنا أنا و جيلي نتحمل عبء (الشنطة) عقودا من الزمن ....إلى أواخر السبعينات من القرن الماضي فاكتشف صاحب مصنع أمريكي من كولورادو (سامسونايت) أن الحقيبة يمكن أن يكون لها عجلتان تسحب سحبا عوض أن تحمل فصنع لها العجلتين و زودها بمقبض معدني نسحب به الحقيبة وراءنا بطريقة سلسة! ومنذ ذلك العام خف العبء على البشرية و تنفسنا الصعداء بعد أن حملنا الحقيبة – المصيبة نحن و آباؤنا و أجدادنا على مدى أربعة آلاف سنة من تاريخ البشرية الغبية منذ عهد الفراعنة والكنعانيين و الفينيقيين إلى سنة 1980! و منذ ثلث قرن فقط أصبحت الحقائب كلها بعجلتين ! ثم و يا لطول عمر الغباء جاء عام 1990 فاهتدى صانع حقائب ياباني إلى أن الحقيبة يمكن أن تجر وراءنا على أربع عجلات بدل إثنتين فأصبحنا نقتني الحقائب (أم أربع) وازدادت راحة المسافر و كل الحقائب اليوم نجرها وراءنا على أربع ! وفي عام 2009 طور نفس الياباني جزاه الله خيرا هذه الحقيبة ليثبت فيها محركا صغيرا يشحن بالبطارية لنتحكم فيها بالريموت (الكوموند) وأصبحت الحقيبة تتبعنا لوحدها كما يتبعنا -أكرمكم الله - كلب أليف في أروقة المطارات! هل عرفتم معي معنى الغباء البشري في هذا المجال البسيط ؟ أربعة آلاف عام و نحن نحمل الحقيبة و لم نهتد إلى اختراع بسيط و ساذج وهو تركيب العجلات على الحقائب! في حين اهتدى علماؤنا إلى ابتكار أسلحة الدمار و القتل ! في سجل مختلف كنا في فرنسا نرى في أهم الشوارع بناءات بلدية بسيطة صالحة لقضاء الحاجات البشرية العادية ثم قررت البلديات تعويضها بنوع جديد من الكابينات الألكترونية المصفحة ولها أبواب معدنية غليظة سميكة تفتح و تغلق أوتوماتيكيا بوضع (يورو) أو اثنين في فتحة وهي أشبه بالمخبأ النووي الذي كان يلجأ إليه الناس في حال هجوم نووي أو أشبه بخزينة فولاذية في البنك المركزي لحفظ سبائك الذهب!. وهنا لا بد أن أقول لكم أن طفلة عمرها 13 سنة دخلت لمثل هذا المكان المرعب منذ 10 سنوات في مدينة مرسيليا و انغلق عليها هذا الباب ثم لم ينفتح و طرقت الضحية المسكينة لكن لا من مجيب و كانت في عز حرارة الصيف فماتت مختنقة وراء هذا الباب القاتل ! و أنصح زوار فرنسا أن يتوجهوا إلى أقرب مقهى في مثل هذه الحالات البشرية العادية و يدفعوا 3 (يورو) لقهوة حتى لو لم يشربوها و لا يخاطروا بحياتهم قربانا للغباء البشري ! و في سجل ثالث عندما كنت في إجازتي بضواحي باريس من 4 سنوات قرأنا في الصحف أن مراهقا فرنسيا عمره 16 سنة يسكن قريبا من بيتي مات مختنقا في سيارة (بي إم دبليو) !!! كيف مات هذا الولد المليان حيوية و أملا ؟ نفس مأساة الأبواب القاتلة فقد خرج مراهقان شقيقان للسهر خارج البيت و استعملا سيارة والدهما (بي إم دبليو) و عادا الساعة الواحدة ليلا فخرج الولد الأكبر من السيارة وبقي الولد الأصغر نائما على المقعد و عن حسن نية اعتقد الذي غادر السيارة أن أخاه سيتبعه بعد لحظات لكنه ضغط على زر غلق الأبواب وهو نازل ودخل البيت و نام. الذي حدث هو أن الولد استيقظ بعد ساعتين و كانت حرارة شهر أغسطس شديدة فحاول أن يفتح الأبواب...و لكن هيهات فصانع السيارة جعل إغلاق السيارة بالزر يمنع من فتح الأبواب من الخارج و أيضا من الداخل !!! لماذا ؟ لا أحد استطاع تفسير هذا اللغز ! فغلق الأبواب من خارج السيارة مفهوم و مطلوب لكن غلقها من داخلها لا تفسير له سوى الغباء البشري القاتل ! وعند طلوع الشمس وبعد أن طرق الولد الأبواب و حاول تهشيم الزجاج و لم يفلح...مات مختنقا ليجده والداه و شقيقة جثة هامدة في الصباح ! الغباء البشري ليس له حدود و أنا أترحم على الماضي الذي كانت فيه المصاعد الكهربائية زجاجية شفافة تطلع و تنزل بين السلالم و نرى من فيها بكل أمان أما اليوم فهي بمثابة (قبر الحياة) كقبور الفراعنة في الأهرامات و ضحايا تعطلها المقبورون فيها عديدون كل سنة في العالم ! أرجو لكم السلامة من تعطل العقول قبل تعطل المصاعد.