12 سبتمبر 2025
تسجيلكانت قمة استثنائية تلك التي احتضنتها الدوحة يوم الثلاثاء المنصرم، سواء من حيث الشكل أو المحتوى، فقد اتسمت بانسيابية في الترتيبات والإجراءات حتى الأمنية منها لم تكن موضع إزعاج وإن كان هناك تضييق على الإعلاميين بالتحرك للحيلولة دون وصولهم إلى قاعة القادة ورغم ذلك تمكن البعض من اختراق هذا التضييق دون أن يقابل بالعنف من رجال الأمن، في سياق الشكل وفرت السلطات القطرية كل متطلبات نجاح القمة، فالقاعات مجهزة لكل مراحلها بداية من كبار المسؤولين إلى الوزراء إلى القادة والمركز الصحفي الذي أعد لاستقبال أكثر من 800 صحفي وإعلامي من أنحاء مختلفة في العالم كان مجهزا بالوسائل والتقنيات التي تيسر عملهم وسرعة تعاملهم مع وقائع القمة. وإذا توقف المرء عند المحتوى فإن قمة الدوحة جاءت مغايرة لنمط القمم السابقة وفق المعطيات التالية.. أولا: فقد شارك فيها على غير المعتاد 17 رئيس دولة وملكا وغياب بعض القادة عنها كان لأسباب صحية وليست سياسية مثلما كانت تعاني منه قمم سابقة وهو ما وفر زخما قويا لقراراتها التي صدرت كلها بتوافق وبالإجماع، باستثناء القرار الخاص بمنح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مقعد سوريا فيها وفي الجامعة العربية ومنظماتها ومؤسساتها ورغم تحفظات كل من الجزائر والعراق على هذا القرار وإعلان لبنان النأي بنفسه فإنه لم يفجر مواقف غاضبة خلال القمة، بل بدا واضحا أن ثمة قناعة باتت راسخة بالرأي والرأي الآخر ومن حق كل دولة أن تتبنى موقفا خاصا بها دون أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الخلافات ومن ثم الشروع في حروب إعلامية وسياسية، كما كان يتم في مراحل سابقة من العمل العربي المشترك. ثانيا: قاربت القمة التطلعات المشروعة للشعوب العربية التي تسكنها الأشواق للتغيير والإصلاح وهو أمر لم يكن معتادا من القادة العرب الذين ينزعون إلى المحافظة على الأوضاع القائمة ولكن يبدو أن ثورات الربيع العربي دفعتهم إلى التفاعل مع متطلباتها ومحدداتها. فقد شدد إعلان الدوحة الذي أصدرته القمة في ختام أعمالها على ضرورة مواصلة الإصلاحات بالدول العربية التي تضمن توفير الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتعزيز المشاركة الشعبية في آليات الحكم، ومؤسساته وترسيخ حقوق المواطنين وحفظ كرامتهم وإرساء قواعد الحكم الرشيد ودولة القانون، وإشاعة المساواة والإنصاف بين جميع المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتجاوز الأفكار النمطية التي تواجه قضايا الغد بمناهج الأمس ومن أجل العمل على الانطلاق نحو المستقبل بمفاهيم جديدة وحلول مبدعة بما يحصن الأمن القومي العربي ويزيد منعته، ويتيح تجاوز الوضع العربي الراهن وارتياد آفاق المستقبل باقتدار يليق بمكانة الأمة العربية وبدورها وإسهامها في الحضارة الإنسانية. ثالثا: تجاوزت القمة مستوى الشعارات إلى مرحلة اتخاذ القرارات العملية القابلة للتنفيذ فورا دون انتظار الدراسة والإحالة إلى اللجان وإن ظل هذا التوجه مستمرا فيما يتعلق ببعض الملفات ذات الطابع الاقتصادي والتي تتطلب التأني في الدراسة والتطبيق، فقد تبنت القمة اقتراح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الخاص بإنشاء صندوق لدعم القدس بقيمة مليار دولار والذي تكفل بالمساهمة بربع هذه القيمة – 250 مليون دولار- وتكليف بنك التنمية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بالإشراف على الصندوق. كما تبنت القمة مقترحا ثانيا للشيخ حمد بعقد قمة عربية مصغرة لحسم ملف الانقسام الفلسطيني وإنجاز المصالحة الوطنية في القاهرة برئاسة مصر وعضوية قطر وفلسطين وخلال الأيام القليلة القادمة سيتم الإعلان عن الترتيبات الخاصة بهذه القمة والتي تؤشر إلى أن القادة العرب أصابهم الضجر من البطء الذي تتم به خطوات المصالحة رغم سلسلة من الاتفاقيات بين أهم فصيلين فلسطينيين، وهما فتح وحماس، وينطوي القرار أيضاً على الاعتراف العربي بمحورية الدور المصري على صعيد هذا الملف بيد أن القرار العملي الأهم لقمة الدوحة تمثل في منح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مقعد سوريا في الجامعة العربية ومنظماتها ومؤسساتها والذي طبق في مستهل أعمالها بعد أن أقره وزراء الخارجية عندما دعا الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر بعد تسلمه رئاسة القمة من العراق كلا من معاذ الخطيب رئيس الائتلاف وغسان هيتو رئيس الحكومة المؤقتة للجلوس في المقعد الذي كان مخصصا على مدى العقد الأخير لبشار الأسد وتحت علم الثورة بدلا من علم النظام الذي صار ممقوتا بعد العدوانية والهمجية التي يرتكبها بشار وزمرته الحاكمة ضد شعبه، وبهذه الخطوة فقد كرست قمة الدوحة شرعية المعارضة السورية وهي خطوة أولى لاكتساب الشرعية على الصعيد الدولي، بل إن ثمة قرارا عربيا بالسعي لحصول الائتلاف على مقعد النظام في الأمم المتحدة وهو ما أكد عليه أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي الذي كان حاضرا الجلسة الافتتاحية للقمة بدعوة من قطر تقديرا لجهود بلاده في الأزمة السورية وغيرها من القضايا العربية. ورغم تأكيد القادة العرب في القمة على أهمية الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي كأولوية للأزمة السورية، إلا أنهم أكدوا في الوقت نفسه على حق كل دولة وفق رغبتها في تقديم وسائل الدفاع عن النفس بما في ذلك العسكرية، لدعم صمود الشعب السوري والجيش الحر وهو ما ينطوي على تطور شديد الأهمية على صعيد الدعم اللوجستي للثوار بما يمكنهم من المضي قدما في تحقيق اختراقات نوعية ضد قوات النظام مثلما حدث في الأشهر القليلة المنصرمة والتي اقترب فيها الثوار من المناطق الحساسة في قلب دمشق وفي مقدمتها القصر الجمهوري. ووفقا لتأكيدات الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية فإن هذا القرار لا يقوض جهود الحل السياسي ولكنه يحقق توازنا على الصعيد العسكري يدفع باتجاهه. رابعا: لم تغب عن القمة القرارات التي تصب في اتجاه تفعيل التكامل الاقتصادي على الصعيد القومي وهو حلم يسكن جميع العرب ولعل في مقدمتها القرار الخاص بإزالة الصعوبات المتبقية في طريق استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي من المقرر الانتهاء منها بنهاية العام الحالي وفي صدارة هذه الصعوبات ما يتصل بقواعد المنشأ وهي مسألة معقدة تقنيا لكنها ضرورية لاستكمال هذه المنطقة التي ستكون بوابة العبور إلى الاتحاد الجمركي ثم الاتحاد النقدي العربي وصولا إلى السوق العربية المشتركة والتي تمهد لمرحلة التكامل وبالطبع سوف يتطلب ذلك متسعا من الوقت قد يمتد إلى سنوات لكن يمكن القول إن الخطوة الأولى والمهمة قد فعلتها قمة الدوحة. السطر الأخير: سر بهجتي في المدينة أنت أيا راسمة الفرح بحدائقها ومن تبث البهاء بخرائطها أقيليني من عثرة الغياب امزجيني بالحضور عطريني دوما بعينيك