18 سبتمبر 2025
تسجيلتعد ظاهرة التجمهر عند وقوع الحوادث المرورية أو الحرائق من الظواهر الاجتماعية الخطيرة والمنتشرة في كثير من المجتمعات، خاصة العربية، فهي تساهم في إعاقة وصول سيارات الإسعاف والمطافئ وتأخير عمليات الإنقاذ وكذلك تعريض المتجمهرين أيضا للخطر في حال تطور الحادث وتضاعف. وهذا السلوك غير الحضاري نشاهده كثيرا على الطرقات وفي الشوارع رغم التحذيرات الصادرة من الجهات الأمنية بعدم التجمهر عند وقوع الحوادث من أجل السيطرة على منطقة الحادث بشكل آمن وفعال. فالبعض يرى أن هذه العادة من باب النخوة والشهامة ومساعدة المحتاج ومن المعيب أن يشاهد من هم بحاجته فلا يقدم لهم أي مساعدة والبعض الآخر يرى أن الظاهرة ما هي إلا فضول وحب استطلاع دون أن يفكر بأن فضوله قد يؤذي الآخرين ويهدد حياتهم وقد يساهم في عرقلة السير وإعاقة وصول سيارات الإسعاف لإنقاذ المصابين. ظاهرة التجمهر بدأت تأخذ منحى آخر خطيرا، فبعد تطور وسائل الاتصال تحول البعض إلى مراسلين وباحثين عن السبق حتى لو كانت على حساب حياة الآخرين وأتحدث ومن واقع تجربة، فقد كنت إحدى ضحايا التجمهر الفضولي، ففي الأسبوع الماضي تعرضت وعائلتي لحادث مروري خرجنا منه –والحمد لله - سالمين إلا من بعض الرضوض والكدمات لكننا أصبنا بالرعب الشديد جراء الحادث وجموع الفضوليين الذين أحاطوا بسيارتنا والسيارة الأخرى فما كادت سيارتنا تتوقف عن الدوران وترتطم بالحاجز الأسمنتي حتى توقف السير في الطريق وتجمهر الفضوليون الذين جاءوا من كل حدب وصوب ليس لنجدتنا بل لإشباع فضولهم - القاتل- على حسابنا دون الاكتراث بما حدث لنا. ووصل عدم المبالاة وموت الضمير بأحدهم إلى تصوير سيارتنا والوقوف بالقرب منها لوقت طويل ولم يحاول الاطمئنان على حال من هم بداخل السيارة وهل هم أحياء أم أموات! رغبة الشخص "المتطفل" في توثيق الحادث وتصويره من أجل نشره على مواقع التواصل الاجتماعي لنيل الشهرة والسبق في نقل الحوادث تحول لدى البعض إلى إدمان وهوس شديد. فما يكاد يقع حادث إلا ونجد عشرات وربما مئات الفضوليين قد تحلقوا حول مكان الحادث كالنسور الجارحة لالتقاط بعض الصور والمقاطع لوضعها على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر دون الاكتراث بحال المصابين أو بمشاعر عائلات المتوفين. وقد لا تتورع تلك النوعية من المتجمهرين عن إيقاف سياراتهم على قارعة الطريق وتعريض أنفسهم والآخرين للخطر وتسلق الجدران ومزاحمة رجال الشرطة والإسعاف من أجل توثيق كل شيء والتقاط الصور لضحايا الحوادث حتى أشلاء الموتى لم تسلم من عبثهم. فهل انعدم الشعور بالإنسانية لدى هؤلاء الأشخاص وأصبحت جثث الموتى مستباحة ورخيصة عندهم؟!! تلك السلوكيات الشاذة والاستهتار بالأرواح تعبر عن تربية خاطئة وقائمة على الأنانية وعدم المبالاة وافتقار الشخص لحس المسؤولية وعندما تتنامى ظاهرة التجمهر داخل المجتمع فهي تجر معها خسائر هائلة سواء في الأرواح أو الممتلكات وتؤثر سلبا على المجتمع وأمنه واستقراره. انحسار هذه الظاهرة مرتبط بوعي المجتمع وطرق التعامل مع الكوارث والأزمات، فقبل أن نطالب بسن القوانين ومعاقبة المتجمهرين علينا أن نعمل على تكثيف البرامج التوعوية والثقافية حول خطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على المجتمع وعلى أداء الأجهزة المعنية بالأمن والسلامة حتى نحقق النتائج المرجوة، فبدون الوعي بمخاطر التجمهر ستبقى هذه الظاهرة في ازدياد.